نبذة تعريفية عن الصحابي “زيد بن حارثة”
1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الصحابي زيد بن حارثة إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
لَعلَّك أيُّها الفتى العربيُّ المسلِمُ، قدْ سَمِعْتَ بفتيانٍ كانوا معَ الرَّسولِ-صلّى الله عليه وسلّم-، سَبَقوا الكبارَ إلى الإسلام، وإلى الجهادِ والعلمِ، ثُمَّ إلى الشَّهادةِ والجنَّة.
فتيانٍ آمنوا بالله، فزادهُم اللهُ إيماناً وعلماً وقُوّةً، فكانوا خيرَ مِثالٍ لنا في العلمِ، وخيرَ قُدْوَةٍ في العَمَلِ بما نَتَعَلّم.
فتىً ربّاهُ الإسلامُ، وكَوَّنَهُ خيرَ التَّكْوين، وَصَنَعَهُ أتمّ الصُّنع، في مدرسةِ محَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم.
وهو زَيْدُ بنُ حارِثة بن شُراحيلَ أو شُرَحبيل بن كَعْبِ بنِ عبدِالعُّزَّى بنِ يزيدَ، أبي أسامةَ الكَلبي. أمُهُ سُعادُ أو سُعْدَى بِنْتُ ثَعلبة، مْنَ بَني مَعْنٍ، من طَيِّءٍ.
زارَتْ أُمُّهُ قوَمها ومعها زَيْدٌ، وصادَفَ أن قامَتْ إحدى القَبائِلِ بغارةٍ على قومِها، فاخْتَطفوا زَيْداً وهو غُلامٌ، ثمَّ عَرَضوهُ للبَيْع، على عادةِ الجاهليَّين، في سُوق عُكاظٍ، فاشْتراهُ حكميُّ بنُ حِزام لعمَّتهِ السيِّدةِ خديجة، زوجِ النبيِّ، – صلى الله عليه وسلم.
وكانَ ذلك قبلَ أن يتزوّج منها محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – فلمّا تزَوَّجَها وَهَبَتْه له. ولكنَّ محمداً – صلّى الله عليه وسلّم – أعْطاهُ حُرِّيَتَهُ وكَرَّمَهُ، فاختار هُوَ أن يبقى معَ الرَّسولِ – صلى الله عليه وسلم – حُباً له، وتقديراً منهُ لِسَماحَتِهِ وعَطْفهِ.
وحينَ حَجَّ أبوهُ وعمُّهُ إلى الكعبةِ رأيا زيداً فعرفاه، وعَرَضا على محمد – صلى الله عليه وسلم – أن يُرجِعَهُ لهما بالثَّمنِ الذي يطلبهُ، لكن الرّسولَ – صلى الله عليه وسلم – أحضرَ زيداً أمامَهُما فعرفَهُما، فقالَ له الرَّسولُ – صلى الله عليه وسلم –: قدْ رأيْتَ صُحْبتي، فاخترْني أو اخترْهما.
فقل زيد: ما أختارُ أحداً عليك، أنتَ الأبُ والعَمُّ. فغضبا منه، وقالا: وَيْحكَ يا زيدُ، أتختارُ العبودية على الحريَّة؟
وقدَّرَ الرَّسول – صلى الله عليه وسلم – مَوْقِفَ زيدٍ، بأن قال للحاضرينَ على عادةِ العرَبِ في الجاهلية: اشهدوا أنَّ زيداً ابني ارثُهُ ويرثُني، فعُرِفَ منذُ ذلك الحين بزيدِ بنِ محمدٍ، إلى أن كلَّفَ اللهُ مُحَمَّداً، – صلى الله عليه وسلم – بالدَّعوةِ، ونزل قولهُ تعالى: قال تعالى(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) الأحزاب (5) الذي يُلغْي تلكَ العادَةَ الجاهليَّةَ، فقالَ زَيْدٌ: أنا زيدُ بنُ حارثة.
ومنَ البَدَهيَّ أن يكونَ زَيْدٌ أوّلَ مَنْ أَسْلَمَ منَ الفتيانِ، أو ثانيهُمْ بعدَ عليِّ بن أبي طالب، فزادَهُ ذلك قرباً من الرّسول – صلى الله عليه وسلم – وزادَ حُبُّ رسولِ اللهِ – صلّى الله عليه وسلّم – له، وثِقَتُهُ به، فعرَفَهُ المسلمونَ إلى اليومِ بأنُّهُ حِبُّ الرَّسولِ وحبيبُه.
وقد عرَفَ الرَّسولُ، – صلى الله عليه وسلم – قَدْرَهُ فآخى بينهُ وبينَ حمزةَ عمِّه، وفَضَّله على عليِّ بنِ أبي طالبٍ وجعفر، حين ادَّعى كل منهم أنُّهُ هوَ الأقْرَبُ مِنَ الرَّسول – صلّى الله عليه وسلّم –، فاتّجَهوا إليه يسألونَهُ رأيَهُ في ذلك فقال: «أما أنت يا جعفرُ فيُشْبِهُ خَلْقُكَ خَلْقي وأنتَ من شجرتي.
وأما أنتَ يا عليُّ فَخَتَني وأبو ولديَّ. وأما أنتَ يا زيدُ فمولايَ وأحبُّهم إليّ» (الخَلْق: الصورة الهيئة؛ الخَتَنْ: الصِّهر).
وكانَ الرَّسولِ – صلّى الله عليه وسلّم – يضعُ سلاحهُ عندَ عليٍّ أو زيدٍ عندما لا يكونُ هناك غَزْوٌ أو قتال.
وحينَ بلغَ زيْدٌ مَبْلَغَ الرِّجالِ أرادَ الرسولُ – صلى الله عليه وسلم – أن يُزَوِّجَهُ مِمَّنْ تَحْفَظُ له دينَه، فاختار له زَينبَ بنتَ جحشٍ، وهي ابنةُ عمةِ الرّسولِ، فوافقتْ بعدَ تَردُّدٍ.
ولكنّها لم تجدهُ مُناسباً لها، وأسمعتْهُ ما لا يُرضيه، فشكا الأمرَ إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – ففرَّقَ بينهما بالطّلاقِ، ثم نزلَ الوحيُ يأمرُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – بالزواج منها فتزوّجها.
وبهذا يكونُ زيدٌ الإنسانَ الوحيد الذي ذكرهُ القرآنُ بعد عيسى ومحمدٍ عليهما الصّلاةُ والسلامُ. بعدَها تزوّج زيدٌ من كلثومٍ بنتٍ عُقبةَ بن أبي مَعيط، كما زوّجه النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – مِن أمِّ أيمنَ بركةَ الحبشية، حاضِنَةِ مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – فولَدَتْ لهُ أسامة.
وظلّتْ ثِقةُ النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – بهِ تَزدادُ، فعيَّنَهُ أميراً على المدينةِ، وعلى كُلِّ سَريَّةٍ كان يقودُها، لِما كانَ يراهُ فيهِ مِنْ حُبِّ للإسلام واستعدادٍ للتضحية، وصِدْقِ في العمل. فقد أقبلَ المسلمونَ يتصدّقونَ بما يَمْلِكونَ، فتصدّقَ زيدٌ بفرسِه، وكان مُعجباً بها، ولا يَمْلِكُ غَيْرَها.
وحينَ عُرِضَتْ للبَيْعِ لَمْ يُقبِلِ المسلمونَ على شرائِها كَيْ تَبْقى لهُ، فأتى بابنهِ أسامَةَ، فتصدّقَ به، فَقَبِلَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم. صدقَتَه.
ولعلَّ هذا ما دَفَعَ النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى جعلِ زيدٍ أحدَ أُمَراءِ جيش المسلمين في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ معَ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ، وعبدِاللهِ بن رُوَاحَةَ، في السنةِ الثامنةِ للهجرةِ، وفيها نالَ زيدٌ شَرفَ الشهادةِ طعْناً بالرماح.
بعد استشْهادهِ اعتلَى النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – المِنْبَر، وبلَّغَ النّاسَ الخبر، وبَكَى عليه. فتعجَّبَ الناسُ من ذلك، فقال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «إنُّهُ شَوْقُ الحبيبِ إلى حبيبِه».
ثمَّ بشَّرهُم بدخولِ زيد الجنَّة قائلاً: «دخلتُ الجَنَّةَ فاستقبَلَتني جاريةٌ شابَّة، فقلت: لِمَنْ أنتِ؟ فقالّتْ: لزيدِ بن حارثة».
رضيَ الله عن زيدٍ وسائر صحابةِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأدخَلَهُمْ فسيحَ جنّاتهِ وجعلنا من رُفُقائهم في الجنة إنْ شاءَ الله.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]