نبذة تعريفية عن “الفَيْروسات” والأضرار التي تسببها للكائنات الحية
2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر
عبد الرحمن أحمد الأحمد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الفَيْروسات أضرار الفيروسات البيولوجيا وعلوم الحياة
الفَيْروساتُ كائناتٌ عجيبَةٌ! فهي كائناتٌ مُعْدِيَةٌ، تَغزو خلايا الكائناتِ الحيَّةَ، وتُجْبِرها على أنْ تصنعَ أعدادًا كبيرةً منها.
ولكنَّ الفيروساتِ لَيْسَتْ حيَّةً، وغيرُ قادِرَةٍ علَى النشاطِ والتكاثٌرِ إلَّا في خلايا الأَحْياءِ (من البكتيرْيا والنباتِ والحيوانِ والإنْسانِ).
ولِذَلِكَ فالفَيْروساتُ مُضْطَرَّةٌ إلَى التَّطفُلِ علَى خلايا هذه الأحياءِ، وتوصفُ بأنَّها «طُفَيْلِيَّاتٌ مُجْبَرَةٌ» والفَيْروساتٌ لا تصنَّف في أَّيِّ من عوالمِ الأَحْياءِ الخَمْسَةِ
والفَيْروساتُ صغيرةُ الحَجمِ للغايَةِ، تمرُّ خلالَ المُرَشِّحاتِ الّتي لا تسمحُ بمرورِ خلايا البَكْتِيرْيا، بَلْ إنَّ آلافًا من الفَيْروساتِ الصَّغيرَةِ الحَجْمِ يُمْكِنُ أنْ يَتَّسِعَ لها فراغُ خَلِيَّةً واحِدَةٍ من البَكْتيرْيا.
ولا يمكنُ اعتبارُ الفَيْروساتِ مِنَ الكائناتِ الحيَّةِ الدَّقيقَةِ علَى الإطْلاقِ، ذَلِكَ لأنَّه ليسَ لها تركيبٌ خَلَوِيٌّ.
ولِذَلِكَ ليسَ عندَها العُضيَّاتُ الخلوِيَّةُ القادِرَةُ علَى صُنْعِ الجزيئاتِ العُضْوِيَّةِ وإنْتاجِ الطَّاقَةِ، وممارَسَةِ مناشطِ الحياةِ بِنَفْسِها ويمكنُ ترسيبُ الفَيْروساتِ بالموادِّ الكيميائِيَّةِ، وبَلْورَتُها في أَنابيبِ الاختبارِ، كالموادِّ الكيميائِيَّة العُضْوِيَّةِ… فهي لا تموتُ ولا تحيا بِذاتها.
وباسْتِخدامِ المِجْهَرِ الإلِكْترونِيِّ، أمكنَ تَعَرُّفُ حجمِ الفَيْروساتِ وأشْكالِها. فالفَيْروساتُ قَدْ تكونَ إبَرِيَّةً أو عَصَوِيَّةً، أو كُرَوِيَّةً، أو مُكَعَّبةُ أو عديدَةَ الأسْطُحِ، أو حَلَزونِيِّةً… الخ.
ويَتَرَكَّبُ كلُّ فيروسٍ (فِيْريونٍ) من الفَيروساتِ البَسيطَةِ من جُزَيءٍ واحدٍ من الحَمْض النَّوَوِيِّ (الدَّنا أو الرَّنا)، مُحاطًا بِغِلافِ من البُروتينِ يُسَمَّى «كابْسيد».
ولا يمكنُ أنْ يحتوِيَ الفيروسُ على الحَمْضَيْنِ معًا، كما هي الحالُ في جميعِ الكائناتِ الحيَّةِ الخَلَوِيَّةِ.
غَيْرَ أنَّ بعضَ الفيروساتِ يكونُ لها غِلافٌ أو حافِظَةٌ بروتينِيَّةٌ خارِجيَّةٌ تُحيطُ بلُبٍّ من الكابْسيدِ البروتينيِّ والحمض النووي.
ويتكون هذا الغلاف البروتيني عادةً من عددٍ كبيرٍ من وَحَداتٍ يُسَمَّى كلٌّ منها «كابْسومير». وتَرْتَبِطْ هذه الكابسوميراتُ بعضُها ببعضٍ براوبِطَ خاصَّةٍ يمكنُ رؤيتُها بالمِجْهَرِ الإلِكْترونِيِّ.
وكما هو معروفٌ، الحَمْضُ النَوَوِيُّ الدَّنا هو حاملُ المادَّةِ الوِراثِيَّةِ في جميعِ الكائناتِ الحَيَّةِ أمَّا في الفَيْروساتِ، فيوجدُ الدَّنا (د. ن. أ) في الفَيْروساتُ النباتية، في حين تحتوي الفيروسات الحيوانِيَّةُ علَى أَحَدِ الحَمْضَيْنِ الدّنا أو الرَّنا (ر. ن. أ)، وتحتوِي الفَيْروساتُ البكتيرِيَّةُ علَى الدَّنا.
ولمَّا كانَتْ الفَيْروساتُ مُجْبَرَةً علَى التَّطَفُّلِ، فإنَّه لا يمكنُ حَقْنُها أو زِراعَتُها في وَسَطٍ غِذَائِيٍّ صِناعِيٍّ أو غَيْرِ حَيٍّ (كما نفعلُ في البكتيرْيا)، وإنَّما يمكنُ زِراعتُها وتَنْمِيَتُها داخِلَ الخلايا الحيَّة فقط.
ولِذَلِكَ لا تُزْرَعُ الفَيْروساتُ إلا في مزارِعِ الأنْسِجَةِ الحيَّةِ، أو في البَيْضِ المُخْصبِ، أو في حيواناتِ التَّجاربِ.
وهنا نَقِفُ أمامَ مجموعةٍ من الأَسْئِلَةِ المُهمَّةِ: كيفَ تَغْزو الفَيْروساتُ الخلايا الحيَّةَ وكيفَ تتضاعَفُ فيها، وكيفَ تَخرُجُ مِنْها؟ كيفَ تقتلُ الفَيْروساتُ الخلِيَّةَ الحيَّةَ؟ أو كيفَ تُحَوَّلُها إلَى خَلِيَّة سَرَطانِيَّةٍ؟
وما هي المَرْحَلَةُ الّتي يمكنُنا فيها التَّدَخُّلُ بالعِلاجِ الكيميائِيِّ للأَمْراضِ الفيروسِيَّةِ؟
وقَدْ دُرِسَتْ عمليةُ غزوِ الفيروسِ للخلِيَّةِ الحيَّةِ الّتي يتطفَّلُ عليها بالتَّفصيلِ في الفَيْروساتِ الّتي تصيبُ البكتيرْيا لأنَّها أسهلُ في الملاحظةِ.
وكثيرٌ من هذه الفَيْروساتِ يسمَّى «لاقماتِ البكتيرْيا»، مع أنَّها أصغرُ من البكتيرْيا كثيرًا ولا تَسْتطيعُ أنْ تلتقِمَها (أي: تبتلِعها)، وذَلِكَ لأنَّها تفتكُ بها، كما سوفَ نرَى.
أوَّلاً تلتصقُ اللّاقِمَةُ بالخليَّةِ المناسِبَةِ عندَ إحْدَى النِّقاطِ المستعِدَّةِ لاستقبالِها. ثمَّ تتحرَّرُ المادَّةُ الوراثِيَّةُ للفيروسِ من غِطائِها البروتينيِّ (الكابسيد)، وتُحقَن المادَّة الوراثِيَّةُ (أيْ: الحَمْض النَوَوِيّ) في داخِلِ الخليَّةِ البكتيريَّةِ.
وهذا الحَمْض النَوَوِيُّ يحملُ جميعَ التَّعليمات الوراثِيَّةِ الخاصَّةِ بذَلِكَ الفيروسِ
ولكنَّ هذا الحَمْضَ النووِيَّ عاجزٌ عن تنفيذِ أيِّ من هذه التَّعليماتِ، لأنَّه لا يملكُ العَضَيَّاتِ اللَّازِمَةَ لذَلِكَ، كما قدمنا.
ومع ذَلِكَ هو يملكُ شيئًا أخْطَر: وهو أنَّه قادرٌ علَى السيطرَةِ الكامِلَةِ علَى الخليَّةِ الّتي غَزاها، ويُسَخِّرُها في صُنْعِ كلِّ ما يلزمُهُ من موادً لتضاعُفِهِ، وتكوينِ فيروساتٍ جديديٍ كثيرةٍ. وفي النِّهايَةِ، تذيبُ هذه الفيروساتُ جدارَ الخليَّةِ العائِلَةِ لها، وتَخرجُ منها لِتَغْزُوَ عددًا كبيرًا آخرَ من الخلايا البكتيرِيَّةِ، وهكذا.
وتختلفُ طريقَةُ غَزْوِ الفيروساتِ لِلخلايا الحيوانِيَّةِ في بعضِ التَّفاصيلِ. فمثلاً، تخرجُ الفَيْروساتُ الجديدةُ من الخليَّةِ العائِلَةِ لها، واحدًا واحدًا، دونَ أن تذيبَها وتقتلَها.
وبذَلِكَ تصبحُ هذه الخليَّةُ مصدرًا لإنْتاجِ الفَيْروساتِ زمنًا طويلاً، ومن ثَمَّ تطولُ مُدَّةُ العَدْوَى. أمَّا الخلايا النباتِيَّةُ فهي أكبرُ مَقْدرةً علَى مقاوَمَةِ غزوِ الفيروساتِ لها؛ وذلِكَ بفضلِ جُدْرانها القوِيَّةِ. ولكنَّ هذه المقاوَمَةَ تزولُ إذا جُرْحَتْ هذه الجدُرَ، أو إذا ثَقَبَتْها الحشراتُ والفُطْرُ.
وتُسَبِّبُ الفَيْروساتُ أمراضًا مُهِمَّةً في النَّباتِ والحيوانِ. وهي تُحْدِت كذَلِكَ عددًا من الأَمْراضِ، منها: الجُدَرِيُّ، والجُدَيرِيّ، والحَصْبَةُ والحصبةُ الألمانيَّة، والإنفَلوِنْزا، والحمَّى الصفراءُ، وحمَّى الدَّنْج، وشللُ الأطفالِ، والكَلَبُ والنُّكافُ، والرَّمدُ الحبيبيُّ، ثمَّ أخْطَرها: التهابُ الكبدِ الوبائِيُّ، ومرضُ فقد المناعة المكتسب (الإيدز).
ويصابُ الإنْسانُ بمرضٍ يُسَمَّى «الحَلأَ (الهِرْبِسْ) البسيطَ» بأشكالِهِ المُخْتَلِفَةِ، والّذي يمكنُ أن يظلَّ كامنًا في الجسمِ مُدَدًا طويلةَ ثمَّ يعودُ إلَى الظهورِ.
أمَّا مَرَضُ الجُدَيْريُّ الّذي يصابُ به الإنْسانُ في طُفولَتَهِ فَقَدْ تظلُّ فيروساتُهُ كامِنَةً في العُقَدِ العصبيَّةِ سنينَ عديدةً، ثمَّ تنتهزُ فرصةَ ضَعفِ مناعةِ المُصابِ، فتنشطُ مُسَبِّبَةً ما يُسَمَّى «الحَلأَ الحَلَقِيِّ» (هِرْبِسْ زوسْتَرْ).
ومن أخْطَرِ أضرارِ الفيروساتِ أنَّها قَد تُحيلُ الخلايا المُصابَة إلَى خلايا سَرَطانِيَّةَ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]