النباتات والزراعة

نبذة تعريفية عن خصائص “شجرة الصنوبر”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

شجرة الصنوبر خصائص شجرة الصنوبر النباتات والزراعة الزراعة

«الصَّنَوْبَرُ» أكْبَرُ أجْناسِ الفصيلَةِ الصَّنَوْبَرِيَّةِ. فهو يَضُمُّ أَكْثَرَ مِن 90 نوعًا، يَنْمو مُعْظَمُها في المناطِقِ المُعْتَدِلَةِ في النِّصْفِ الشَّمالِيِّ من الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ. وتَنْتَمي أَشْجارُ الأَرْزِ الشَّهيرَةُ الّتي تَنْمو بِجبالِ لُبْنانَ إلَى الفَصيلَةِ الصَّنَوْبَرِيَّةِ أيضًا.

والصَّنَوْبَرُ من أَهَمِّ أَشْجارِ الغاباتِ المَخْروطِيَّةِ الّتي تُغَطِّي مِساحاتٍ شاسِعَةً في غَرْبيِّ أَمْريكا الشَّمالِيَّةِ، وفي أجْزاءٍ من أوروبا وآسْيا، وفي الأَجْزاءِ ذاتِ المُناخِ المُعْتَدِلِ من أُسْترالْيا ونِيوزيلَنْدا في نِصْفِ الكُرَةِ الجَنوبِيِّ، وعلَى قِمَم الجبالِ في المناطِقِ الاسْتِوائِيَّةِ.

الصَّنَوْبَرُ أَقْدَمُ ما عَرَفَ العالَمُ من أَشْجارٍ، فعُمْرُ الشَّجَرَةِ يَرْبو علَى أَرْبَعَةِ آلافِ عامٍ، وقد يَصِلُ إلَى خَمْسَةِ آلافِ عامٍ.

 

ولَوْ أَنَّ مِثْلَ هَذِه الشَّجرَةِ تَكَلَّمَتْ لكانَتْ أَفْضَلَ مَنْ يُؤَرِّخُ لتاريخِ البَشَرِيَّةِ، ولَرَوَتْ لَنا ما خَفِيَ عَلَيْنا مُنْذُ عَصْرِ بُناةِ الأَهْرامِ.

هذا فَضْلاً علَى أَنَّ خَشَبَ الصَّنَوْبَرِ شَديدُ المُقاوَمَةِ للتَّحَلُّلِ، فَقَدْ يَسْتَغْرِقُ تَحَلُّلُهُ، بَعْدَ مَوْتِ الشَّجَرَةِ، أَرْبَعَةُ آلافِ عامٍ أُخْرَى.

فَقَدْ عُثِرَ علَى قِطَعِ خَشَبِ صَنَوْبَرِ عُمْرُها 8200 سَنَةٍ. هَذِهِ تُسْتَخْدَمُ لتَقْديرِ عُمْرِ ما حَوْلَها من آثارٍ، وأيضًا للتَّأكُّد من صِحَّةِ تَقْديرِ العُمْرِ بالطُّرُقِ الأُخْرَى.                             

 

ويَخْتَلِفُ شَكْلُ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ تَبَعًا للنَّوْعِ. فَبَعْضُها هَرَمِيُّ (مَخْروطِيُّ) الشَّكْلِ، وبَعْضُها لَهُ هامَّةٌ مُنْبَسِطَةٌ. ويَصِلُ ارْتِفاعُ الشَّجَرَةِ إلَى 40 مترًا. وهي دائِمَةُ الخُضْرَةِ، أَيْ تَحْمِلُ أَوْراقًا خَضْراءَ طُولَ السَّنَةِ في الفُصولِ المُلائِمَةِ وغَيْرِ المُلائِمَةِ للنُّمُوِّ.

وعادَةً ما يكونُ جِذْعُ الشَّجَرَةِ مُسْتَقيمًا مِثْل العامودِ. ويَحْمِلُ الجِذْعُ فروعًا جانِبيَّةً طَويلَةً في مَجْموعاتٍ مُرَتَّبَةٍ تَرْتيبًا مُنْتَظِمًا. ويكونُ بَيْنَ كلِّ مجموعَةٍ وأُخْرَى مسافَةٌ لَيْسَ بها فروعٌ طويلَةٌ تُمَثِّلُ نُمُوَّ سَنَةٍ أَوْ مَوْسِمٍ.

ويوجَدُ علَى الشَّجَرَةِ وفُروعِها الطَّويلَةِ نَوْعانِ مِنَ الأَوْراقِ: أَوْراقٌ حَرْشَفِيَّةٌ صَغيرَةٌ غَيْرُ خَضْراءَ، وأَوْراقٌ إِبرِيَّةُ الشَّكْلِ طَويلَةٌ وخَضْراءُ.

 

أَمَّا الأَوْراقُ الحَرْشَفِيَّةُ فَهِيَ مَحْمولَةٌ مُباشَرَةً علَى سَطْحِ السَّاقِ والفُروعِ الطَّويلَةِ. وأَمَّا الأَوْراقُ الإِبرِيَّةُ الخَضْراءُ فَلا توجَدُ إلاَّ علَى فُروعٍ قَزَمَةٍ (أَيْ: شَديدةِ القِـصَرِ) تَخْرُجُ من آباطِ الأَوْراقِ الحَرْشَفِيَّةِ في تَرْتيبٍ حَلَزُونِيٍّ.

ويَحْمِلُ كُلُّ فَرْعٍ قَزَمٍ ما بَيْنَ وَرَقَةٍ واحِدَةٍ وخَمْسِ وَرَقاتٍ إِبرِيَّةً، تَبَعًا للنَّوعِ. والأَوْراقُ الخَضْراءُ توصَفُ بأنَّها إِبريَّةٌ لِكَونِها ضَيِّقَةٌ ومَسْحوبَةٌ مِثْل الإِبَرِ. وقَدْ يَصِلُ طُول الإبْرَةِ (الوَرَقَةِ) إلَى 40 سَنتيمترًا، وهِي أَطْوَلُ أَوْراقِ المَخْروطِيَّاتِ الحَيَّةِ جَميعًا.

وتُوجَدُ قَنَواتٌ رَاتِنْجِيَّةٌ في الأَوْراقِ، وقِشْرَةِ السِّيقانِ، وأَحْيانًا في الخَشَبِ، تُبَطِّنُها خَلايا مُفْرِزَةٌ للرَّاتِنْجاتِ. والرَّاتِنْجُ مادَّةٌ سائِلَةٌ لَزِجَةٌ تُشْبِهُ الصَّمْغَ الّذي يَفْرِزُهُ شَجَرُ السَّنْطِ، ولَكِنَّها قَليلَةُ الذَّوَبانِ في الماءِ.

 

ولأَشْجار الصَّنَوْبَر نَفْسُ الصِّفاتِ المُمَيَّزَةِ للنَّباتاتِ الجَفَافِيَّةِ، فَهِيَ تَسْتَطيعُ أَنْ تَسْتَوْطِنَ التُّرْبَةَ الضَّحْلَةَ في المناطِقِ الجَبَلِيَّةِ البارِدَةِ، حَيْثُ يَتَجَمَّدُ الماءُ ويصبحُ غَيْرَ مُتاحٍ للامْتصاصِ لِفَتَراتٍ طويلَةٍ.

وتَتَكَيَّفُ أَشْجارُ الصَّنَوْبَرِ علَى النَّحْوِ الّذي يُمَكِّنُها من احْتمالِ الجَفافِ الّذي تَتَعَرَّضُ لَهُ ومُقاوَمَتِهِ، ولَكِنَّها قَدْ تَخْتَفِي مِن مناطِقَ كانَتْ تَنْمو بها سابقًا إذا تَغَيَّرَ المُناخُ تَغَيُّرًا كَبيرًا.

وأَشْجارُ الصَّنَوْبَرِ وَحيدَةُ المَسْكَنِ، أَيْ إِنَّ كلَّ شَجَرَةٍ تَحْمِلُ أَعْضاءَ التَّذكيرِ وأَعْضاءَ التَّأْنيثِ كِلَيْهِما.

 

وهذِهِ الأَعْضاءُ في الصَّنَوْبَرِ لَيْسَتْ مَحْمولَةً في أَزْهارٍ، لأَنَّ الصَّنَوْبَرَ لَيْسَ مِن النَّباتاتِ الزَّهْرِيَّةِ، ولَكِنَّه من مَجْموعَةِ النَّباتاتِ المَعْروفَةِ باسْمِ «عارِياتِ البُذورِ» والتي تكونُ بُذورُها مُعَرَّضَةً للجوِّ علَى سَطْحِ أَوراقِ خاصَّةِ، ولَيْسَتْ داخلَ ثِمارٍ.

وفي الصَّنَوْبَرِ تكونُ أَعضاءُ التَّذْكيرِ وأعضاءُ التَّأْنيثِ محمولَةً في تَراكيبَ خاصَّةٍ تُسَمَّى «مَخاريطَ». والمَخاريطُ البُوَيْضِيَّةُ (الأُنْثَوِيَّةُ) تكونُ مَحْمولَةً عادَةً علَى الفُروعِ العُلْيا من الشَّجَرَةِ، في حين تكونُ المخاريطُ السَّدائِيَّةُ (الذَّكَرِيَّةُ) علَى الفروعِ الدُّنْيا.

ومَيْزَةُ هَذا التَّرتيبِ أَنَّ الهواءَ يَحْمِلُ حبوبَ اللَّقاحِ من المخاريطِ الذَّكَرِيَّةِ في شَجَرَةٍ إلَى المخاريطِ الأُنْثَوِيَّةِ في شَجَرَةٍ أُخْرَى. وهَذا يُعطِي نَسْلاً أَفْضَلَ.

 

وفي بِدايَةِ الصَّيْفِ تَنْضُجُ حبوبُ اللَّقاحِ، وتَنْطَلِقُ منها كَمِّياتٌ هَائِلَةٌ تَمْلأُ جَوَّ غابَةِ الصَّنَوْبَرِ كالغُبارِ الدَّقيقِ الأَصْفَرِ. فإذا نَزَلَ المَطَرُ صارَ لَوْنُ قَطَراتِ المَطَرِ أَصْفَرَ بِلَوْنِ الكِبْريتِ. وتُعْرَفُ هذهِ الظَّاهِرَةُ بظاهِرَةِ «دُشِّ الكِبْريتِ».

ولمَّا كانَتْ حبوبُ اللَّقاحِ بهذا الكَمِّ الكَبيرِ في الجوِّ فَلابُدَّ أَنَّ بَعْضَها سَيَصِلُ إلَى البُوَيْضاتِ لِتَتِمَّ عَمَلِيَّةُ الإخْصابِ. وتَسْتَغْرِقُ المخاريطُ الأُنْثَوِيَّةُ من سَنَتَيْن إلَى ثلاثِ سَنَواتٍ لاسْتِكْمالِ نُمُوِّها، حَيْثُ يَزْدادُ حَجْمُها عِدَّةَ مَرَّاتٍ وتُصْبِحُ خَشَبِيَّةً.

وفي الوَقْتِ نفسِهِ تُصْبِحُ البُوَيْضاتُ المُخْصَبَةُ النَّاضِجَةُ بُذورًا. عِنْدَئِذٍ تَتَباعَدُ أَوْراقُ المخاريطِ الأُنْثَوِيَّةِ، فَتَنْطَلِقُ البُذورُ وتَذْروها الرِّياحُ بعيدًا عن الشَّجَرَةِ الأُمِّ. وفي كثيرٍ من الأَنْواعِ، يُساعِدُ علَى ذَلِكَ وجودُ غِشاءٍ رقيقِ لِكُلِّ بذْرَةِ يكونُ بِمَثَابَةِ جَناحٍ.

 

والبِذْرَةُ عِبارَةٌ عَنْ جَنينٍ حَوْلَه كَمِّيَّةٌ من غذاءٍ مُخْتَزَنٍ مُحاطٍ بِغِلافِ البذْرَةِ. وعِنْدَ تَوَفُّرِ الماءِ حَوْلَ البِذْرَةِ يَبْدَأُ إِنْباتُها، فَيَنْمو الجَنِينُ مُسْتَخْدِمًا الغِذاءَ المُخْتَزَنَ لِيُعْطِيَ بادِرَةً ( أَيْ: نباتًا صغيرًا). وهَذِهِ تَنْمو بِمُرُورِ الزَّمَنِ لِتُصْبِحَ شَجَرَةً كبيرَةً؛ وهَكذا تَتَكَرَّرُ دُورَةُ الْحَيَاةِ .

ويُزْرَعُ الصَّنَوْبَرُ علَى نِطاقٍ واسِعٍ في مُعْظَمِ أَنْحاءِ العَالَمِ لِسُهولَةِ تَصْنيعِ خَشَبِه، ولِمُنْتَجاتِهِ الرَّاتِنْجِيَّةِ. والرَّاتِنْجُ هو الّذي يَجْعَلُ الخَشَبَ شديدَ المُقاوَمَةِ للتآكُلِ والتَّحَلُّلِ.

وللصَّنَوْبَرِ قِيمةٌ اقْتِصادِيَّةٌ عالِيَةٌ كَمَصْدَرٍ لأَجْوَدِ أَنْواعِ الخَشَبِ الّذي يُسْتَخْدَمُ أَعْمِدَةً لأَسْلاكِ الكَهْرَباءِ والبَرْقِ (التِلِغراف).

 

كَمَا يُسْتَخْدَمُ لُبُّهُ في صِناعَةِ الوَرَقِ، وفي غَيْرِ ذلِكَ مِنَ الأَغْراضِ. ولِذَلِكَ أَسْرَفَ النَّاسُ في تَقطيعِ أَشْجارِ الصَّنَوْبَرِ حتَّى لَمْ يَبْقَ من غاباتِها الطَّبيعِيَّةِ إلاَّ القليلُ.

وقَطْعُ أَشْجارِ الصَّنَوْبَرِ وغيرِها مِنَ الأَشْجارِ بِهَذِهِ الكَثْرَةِ يَضُـرُّ بالبيئَةِ ضَررًا بالِغًا، ويُعَرِّضُ حياةَ الإِنْسانِ وجميعِ الكائناتِ الّتي تَعيشُ علَى الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ لِخَطَرٍ بالِغٍ. ولِذَلِكَ لا يَجِبُ الإِقْلالُ مِنْ قَطْعِ الأَشْجارِ فَحَسْبُ، ولَكِنْ يجبُ أيضًا الإِكْثارُ من زِراعَةِ أَشْجارٍ جديدةٍ لتعويضِ ما يُقْطَعُ.

ويُسْتَخْرَجُ من الصَّنَوْبَرِ زُيوتٌ كَثيرَةٌ تُسْتَخْدَمُ مُطَهِّرًا وفي أَغْراضٍ طِبِّيَّةٍ أُخْرَى، وفي صِناعَةِ الصّابونِ والوَرْنيشاتِ، وأَحْبارِ الطِّباعَةِ وشَمْعِ اللِّحامِ، والأَلْعابِ النَّارِيَّةِ، والبلاسْتيك ووَرَقِ السِّلوفانِ، وعُطورِ الرِّجال. وتُزْرَعُ أَشْجارُ بَعْضِ أَنْواعِ الصَّنَوْبَرِ للزِّينَةِ كما تُسْتَخْدَمُ المخاريطُ الخَشَبِيَّةُ وقودًا.

 

وبُذورُ بَعْضِ أَنْواعِ الصَّنَوْبَرِ صَالِحَةٌ للأَكْلِ. وهَذِهِ تَدْخُلُ في عَمَلِ «الخَلْطَةِ» المُسْتَخْدَمَةِ في عَمَل المَحْشُوَّاتِ، والأُرْزِ، كما تُسْتَخْدَمُ في عَمَلِ أَنْواعٍ من «الصَّلْصَةِ»، وأصنافٍ من الحَسَاءِ، وأَلوانٍ من الحَلْوَى.

وقَدْ كانَ قُدَماءُ المِصْرِيِّينَ يَأْكُلونَ بُذورَ الصَّنَوْبَرِ، ويَسْتَخدمونَ زَيْتَه في تَحْنيطِ جُثَثِ مَوْتاهم، وقَدْ وُجِدَتْ كَمِّياتٌ كبيرةٌ من المَخاريطِ في مَقابِرِهِم. كذلِكَ اسْتَخْدَموا «الكَهْرَمَان» في صِناعَةِ حَبَّاتِ العُقودِ.

والكَهْرمانُ أو (الكَهْرَباءُ) هُوَ الرَّاتِنْجُ الّذي أَفْرَزَتْهُ الأَشْجارُ الّتي كانَتْ تعيشُ في عُصورِ جيولوجِيَّةٍ سابِقَةٍ، وانْطَمَرَ في باطِنِ الأَرْضِ وأَصْبَحَ صُلْبًا شَفافًا.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى