نبذة تعريفية عن صفة “الزُهد” الواجب على المسلم التحلي بها
1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
صفة الزُهد إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
الزّهد هو أن يَترُكَ الإنسانُ الشّيءَ المرغوبَ فيه ولوْ كان مُحتاجاً إليه. فإذا تركَ هذا الشّيءَ رغبةً فيما عِندَ الله، فهذا زُهْدٌ جائزٌ ومشروعٌ، وأمّا إذا تَرَكَهُ ليُعذّبَ نفسَهُ ويُتْعِبها، فهذا زُهدٌ مّذموم.
والزهدُ دائماً يَقترنُ بالدُنيا وزُخرُفها ومتاعِها، من المالِ والزّينةِ والتّرفِ.
والمسْلِمُ ينبغي لهُ أن يملكَ الدّنيا، ولا تملِكه، فإذا كانتِ الدُّنيا هي همَّهُ وغايتهُ، وكانت حياتُهُ كُلُّها في جَمْعِ متاعها، ونسِيَ آخرتَهُ، ولمْ يعملْ لها، فهذا قَدْ مَلكَتْهُ الدنيا.
وأمّا إذا كانَ همُهُ الآخرةَ، وكلُّ ما عِندَهُ من خَيرِ الدّنيا يُنفقُهُ في طاعة الله، وسعادةِ الآخرين فهوَ يَمْلِكُ الدّنيا.
والنبيُّ – صلّى الله عليه وسلّم – يَمدَحُ المُؤْمِنَ والمؤمنةَ اللذَينِ يمْلِكانِ الدّنيا ولا تمْلِكُهُما. فها هو ذا أحدُ الصحابة، واسمُهُ حارِثةُ رضيَ الله عنهُ، يسألُهُ النبيُّ – صلّى الله عليه وسلّم – كيفَ أصبحتَ يا حارِثَة؟ قال: أصبحْتُ مُؤمناً حقاً. قال: وما حقيقةُ إيمانِكَ؟ قال: عزَفتْ نفسي عن الدُّنيا فاستوى عِندي حجرُها وذَهَبُها، وكَأَنِيّ بالجنّةِ والنّارِ، وكأني بعرشِ ربّي بارزاً.
فقال – صلّى الله عليه وسلّم -: «عَرَفْتَ فالْزَمْ، عبدٌ نَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ بالإيمان». ومعنى هذا أنّكَ عرفتَ الحقَّ فلا تُفارِقْهُ واستمرَّ عليه.
وينبغي لنا أنْ نعْلَمَ جميعاً أنَ المسلمَ إذا وصَلَ إلى درجةٍ أن تكونَ الدُّنيا مِلكَهُ وليسَ هو مِلكَ الدُنيا، وعَبدا لها، ليسَ معناهُ أنَّهُ يُبَذِّرُ المال، ولا يستمتعُ بالحياةِ الدّنيا.
لا؛ إنّ الإسلامَ يأمرنا أن نستمتعَ بالدّنيا، ونعملَ ونجتهدَ ونجمَعَ المال، ونسكُنَ أحسن المساكنَ، ونلبِسَ أفضلَ الثِّياب، ونأكُلَ أفضلَ المأكولات، ولكن لا ننسى حقَّ اللهِ، وحقَّ الفُقراءِ والمساكينَ، وأنْ نستخدمَ نِعمةَ المال والصّحةِ فيما يُرضي الله تعالى، ولا نبخلْ بالمال.
والله عزَ وجلَّ يبينُ لنا ذلك فيقولُ: قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) المائدة (87)، ويقول أيضاً: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الأعراف (32) ويقولُ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «نِعْمَ المالُ الصّالِحُ لِلْعَبْدِ الصّالِح».
فالزُّهدُ الحقيقيُّ هو أن نجودَ ونبذُلَ في سبيل الله أغلى ما نملكُ، وأن نترُكَ متاعَ الدنيا، وزينتها لا من بابِ التحريم، ولكن من بابِ التَرفُّعِ والتّنزُّهِ، مُؤْثِرين ما عندَ اللهَ عزَ وجلَّ من نعيمٍ لا ينقطعُ ولا ينتهي.
فالدنيا مزرعةٌ للآخرةِ، وممرٌّ يُوَصِّلُنا إلى الآخرة، كما قال – صلى الله عليه وسلم -: «كُنْ في الدُّنيا كأنّكَ غَريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ».
وحينما نتفكَّرُ في هذه الدنيا نجدُ أنَّها لا تُساوي شيئاً في مُقابل ما أعده الله لنا في الآخرةِ من نعيمٍ دائم، ولذلكَ فإنَّ شيئاً بسيطاً نملكُهُ في الدنيا، ونَقْنَعُ به ونرضى يكفينا عن متاعِ الدّنيا كلِّها.
والنبيُّ – صلّى الله عليه وسلّم – يُبيِّنُ لنا هذا المعنى فيقولُ مُبيِّناً حقيقةَ الزُّهدِ كما يريدهُ الله ورسولهُ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ورُزِقَ كَفافاً وقَنّعهُ الله».
وبهذا يُبيّن النبيُّ لنا أنّ المُسْلمَ إذا قنعَ بالقليل الذي يكفيهِ في حاجاتهِ، من مَشرَبٍ ومأكلٍ وملبسٍ. فهذا، مع القناعة والرِّضى بما قسمَ اللهُ لهُ، في منزلةٍ عظيمة، وهو زُهدٌ حقيقيٌّ مرغوبٌ فيه. فالقناعةُ – كما يُقالُ – كَنْزٌ لا يَفنى.
وللنبيِّ – صلّى الله عليه وسلّم – حديثٌ آخرُ عظيمٌ يُوضِّحُ لنا حقيقةَ الحياة والسّعادة، وأنها في الزُهدِ في الكثير، والقناعة بالقليل، فيقولُ: «مَنْ أصبحَ منكم آمناً في سِربه، مُعافىً في جسدهِ، عِندهُ قوتُ يومهِ، فكأنّما حيزتْ لهُ الدُّنيا».
فهو – صلى الله عليه وسلم – يُبيِّنُ لنا كيفَ تكونُ الدّنيا كُلُها تحتَ أيدينا نَملِكُها ونتصرَّفُ فيها، وأنَّ خيراتِها كُلّها كأنَّها عندنا (حيزت لنا).
فيُبيِّنُ لنا أنّ السعادةَ في الحياةِ، بل إنَّ الحياةَ كُلّها تقوم على: الأمن بين الأهلِ، والصحة، والمأكلِ والمشربِ الكافيين.
نحنُ جميعاً نحتاجُ إلى الزُّهدِ في كُلِّ الحرام من مُتعِ الدُّنيا، فلا نقربُ الحرامَ أبداً ونزهَدُ فيه، واللهُ يُبدِلُنا مكانهُ الحلالَ الطّيِّبَ، ومن ثمَّ يجبُ أن نمتنعَ عن الحرامِ ولو كانَ هو سببَ غنانا وكثرةِ أموالنا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]