نبذة تعريفية عن علم الكيمياء ومدى اسهاماته في العديد من الأمور
2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر
عبد الرحمن أحمد الأحمد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
علم الكيمياء اسهامات علم الكيمياء الكيمياء
الكِيمياءُ فَرْعٌ من العِلْمِ يَخْتَصُّ بدِراسَةِ خواصِّ الموادِّ وتَرْكيبِها، وما يَعْتَريها من تَغَيُّراتٍ.
والتَّغَيُّراتُ الّتي قَدْ تحدثُ للمادَّةِ نَوْعانِ، أَحَدُهُما لا تَتَغيَّر فيهِ طبيعَةُ المادَّةِ، مثل تَحَوُّلِ الماءِ إلَى ثَلْجٍ بالتَّبْريدِ ثمَّ انْصِهارِه بَعْدَ ذَلِكَ بالحرارَةِ إلَى ماءٍ مَرَّةً أُخْرَى، دُونَ أنْ تتغيَّرَ طبيعَةُ الماءِ، ولِذَلِكَ يُقالُ إِنَّ هذا تغيُّرٌ فِيزْيائِيٌّ.
أمَّا في الحالاتِ الأُخْرَى فَقَدْ يُؤَدِّي التَّغَيُّرُ الّذي يحدثُ للمادَّةِ إلَى تغييرٍ في طَبيعَتِها وفي تَرْكيبِها، مِثْلَما يحدثُ عِنْدَما نُشْعِلُ عُودَ ثِقابٍ، فيتحوَّلُ جزءٌ مِنْهُ إلَى غازاتٍ مُشْتَعِلَةٍ، ويَتَحَوَّلُ جزءٌ آخرٌ مِنْه إلَى رَمادٍ مُتَفَحِّمٍ.
ويُسَمَّى مثلُ هذه التَّغيُّراتِ بالتَّغيُّراتِ الكيميائيَّةِ، ونَصِفُها عادَةً باسْم التَّفاعُلاتِ الكيميائِيَّةِ.
ولَمْ تَكُنْ الكيمياءُ فيما مَضَى عِلْمًا قائِمًا بِذَاتِه لَهُ قَواعِدُهُ وقوانينُهُ الثَّابِتَةُ كما نَعْرِفها اليَوْمَ، ولكنَّها كانَتْ صَنْعَةً يَتَوارَثُها النَّاسُ من جيلٍ إلَى جيلٍ، ولا يَعْرِفُ أسرارَها إلاَّ القليلُ مِنْهُم. وكانَتْ حِكْرًا علَى طائِفَةٍ منَ النَّاسِ، مثل الكَهَنَةِ وسَدَنَةِ المَعابِدِ في مِصْرَ القَديمَةِ.
وقَدْ اقْتَصَر عِلْمُ الكيمياءِ في مَنْشَئِهِ علَى دِراسَةِ خواصِّ بعضِ الموادِّ الموجودَةِ طبيعِيًّا. وتَلاَ ذَلِكَ تحضيرُ بعضِ الموادِّ البسيطَةِ مثل الأَحماضِ المَعْدِنِيَّةِ وغيرِها.
ويَرْجِعُ الفَضْلُ في ذَلِكَ إلَى بَعْضِ علماءِ العَرَبِ والمُسْلمينَ أمثالَ جعفرِ الصَّادِقِ وجابِرٍ بن حيَّانٍ وأبو بكرٍ الرازِيِّ، فَقَدْ كانَ لَهُم فضلُ السَّبْقِ في إدْراكِ أَهَمِّيَّةِ التَّجْرِبَةِ العِلْمِيَّةِ ووَضْعِ أُسُسِ المَنْهَجِ العِلْمِيِّ لمِثْلِ هذه الدِّراساتِ.
وقَدْ ساعَدَتْ تَرْجَمَةُ الكُتُبِ الّتي وَضَعَها علماءُ العَرَبِ والمسلمينَ علماءَ أوروبا في عَصْرِ النَّهْضَةِ علَى القِيامِ بِعَشراتٍ مِنَ التَّجارِبِ الكيميائِيَّةِ، أَدَّتْ إلَى اكْتِشافِ تركيبِ الهَواءِ وتركيبِ الماءِ، وتحضيرِ كثيرٍ منَ الموادِّ الكيميائِيَّةِ الجديدَةِ.
وعَرَفَ الإنْسانُ بمرورِ الوَقْتِ عشراتٍ من التَّفاعُلاتِ الكيميائِيَّةِ الّتي تدورُ في الخَلِيَّةِ الحَيَّةِ، كما أَدْرَكَ أنَّ الكَوْنَ كُلَّه يَتَكَوَّنُ من ذَرَّاتٍ وجُزَيْئاتٍ كيميائِيَّةٍ مُتَنَوِّعَةِ الصِّفاتِ والخَواصِّ.
وقَدْ أَدَّى التَّقَدُّمُ في عِلْمِ الكيمياءِ إلَى نُشوءِ عِدَّةِ فُروعٍ مُهِمَّةٍ لِهذا العِلْمِ.
وهكذا نَشَأَتْ الكيمياءُ العُضوِيَّةُ الّتي تَخْتَصُّ بِدِراسَةِ خواصِّ وتَفاعُلاتِ مُرَكَّباتِ الكَرْبونِ، والكيمياءُ الفِيزْيائِيَّةُ الّتي تَناوَلَتْ القَوانينَ الّتي تَتَحَكَّمُ في مُخْتَلِفِ التَّفاعُلاتِ، والكيمياءُ غيرُ العُضوِيَّةُ الّتي تَخْتَصُّ بِدِراسَةِ خواصِّ وتفاعُلاتِ مُرَكَّباتِ بقيَّةِ العَناصِرِ الأُخْرَى.
والكيمياءُ الحَيَوِيَّةُ الّتي تَتَعَلَّقُ بِدِراسَةِ مُخْتَلِفِ التَّفاعُلاتِ الكيميائِيَّةِ الّتي تدورُ في الخَلِيَّةِ الحَيَّةِ، والكيمياءُ الكَهْرَبائِيَّةُ الّتي تَدْرِسُ مُخْتَلِفَ الظَّواهِرِ والتَّفاعُلاتِ الّتي يُحْدِثُها مرورُ التَّيَّارِ الكَهْرَبائِيِّ في المحاليلِ، والكيمياءُ الضَّوئِيَّةُ الّتي تَخْتَصُّ بِدِراسَةِ التَّفاعُلاتِ الّتي تَحْدُثُ عِنْدَ تَعَرُّضِ الموادِّ الكيميائِيَّةِ للضَّوْءِ.
هذا إِضافَةً إلَى عَدَدٍ منَ الفُروعِ المُسْتَحْدَثَةِ، مثل كيمياءِ الإشْعاعِ، والكيمياءِ الصَّيْدَلِيَّةِ.
وقَدْ أَدَّى التَّطَوُّرُ في عِلْمِ الكيمياءِ إلَى تزويدِ الإنْسانِ بِمئاتٍ من الموادِّ الجديدَةِ الّتي ساعَدَتْهُ علَى تحسينِ ظُروفِ حياتِهِ وأَحْوالِ مَعيشَتِهِ، وبِذَلِكَ ساهَمَتْ الكيمياءُ مُساهَمَةً فَعَّالَةً في تَطَوُّرِ المُجْتَمَعِ الإنْسانِيِّ.
وقَدْ زَوَّدَتْ الكيمياءُ الإنْسانَ في مجالِ الدَّواءِ بموادَّ جديدَةٍ ساعَدَتْهُ في صِراعِهِ ضِدَّ المَيْكروباتِ مثل المُضادَّاتِ الحَيَوِيَّةِ كالبِنِسلِّين بأَنْواعِهِ ومُرَكَّباتِ السَّلْفا وغيرِها كذَلِكَ ساهم بعض هذه الموادِّ الجديدَةِ في القضاءِ علَى الآلامِ، وفي عِلاجِ كثير مِنَ الأَمْراضِ.
كذلِكَ ساعَدَتْ الكيمياءُ في بِناءِ بَعْضِ الجُزَيْئاتِ الكيميائِيَّةِ الجديدَةِ الّتي أَمْكَنَ اسْتِخدامُها في مجالِ الكِساءِ، في صُنْعِ أَنْواعٍ جديدَةٍ من الأَلْيافِ الصِّناعِيَّةِ، وكانَ بَعْضُها بديلاً مُمْتازًا للأَلْيافِ الطَّبيعِيَّةِ.
بَلْ إِنَّ بعضَ هذه الأَلْيافِ الجديدَةِ فاقَ الأَلْيافَ الطَّبيعِيَّةَ في خَواصِّها وصِفاتِها؛ ومِنْ أَمْثِلَتها النَّايْلون، والدَّاكْرون، والتّيريلين، والأَكْريلان، والأُورْلون، وغيرها.
وقَدْ مَكَّنَتْ الكيمياءُ الإنْسانَ أَيْضًا من صُنْعِ أَنْواعٍ مِنَ المَطَّاطِ الصِّناعِيِّ يفوقُ بعضُها المطَّاطَ الطَّبيعِيَّ في قُوَّةِ احْتِمالِهِ.
ولَوْلا ذَلِكَ ما اسْتَطاعَتْ وسائِلُ النَّقْلِ أَنْ تَتَحَرَّكَ بهذا الكَمِّ الهائِلِ في طُرُقاتِ مُدُنِنا. ومِنْ أَمْثِلَةِ هذا المطَّاطِ: مَطَّاطُ الأَيْسوبْرينَ، ومطَّاطُ السِّليكونِ، وغيرُهما.
وفي مجالِ الصِّناعَةِ ساعَدَتْ الكيمياءُ علَى حدوثِ تَقَدُّمٍ هائِلٍ في هذا المجالِ، فأَمْكَنَ عن طريقِها تَحضيرُ مِئاتٍ من الأَصْباغِ والموادِّ المُلَوِّنَةِ الّتي جَعَلَتْ حياتَنا أَكْثَرَ بَهْجَةً.
كما ظَهَرَتْ عَنْ طريقِها أَشْكالٌ مُتَنَوِّعَةٌ مِنَ المُنَظِّفاتِ الصِّناعِيَّةِ ومِنَ اللَّدائِنِ والموادِّ اللاَّصِقَةِ والطِّلاءاتِ. وهذه كلُّها موادُّ جديدَةٌ لَمْ تَكُنْ معروفَةً مِنْ قَبْلُ، وكانَتْ عامِلاً رئيسِيًّا في مقابَلَةِ احْتياجاتِ ومُتَطَلَّباتِ الحياةِ الحديثَةِ للإنْسانِ.
وقَدْ امْتَدَّ أَثَرُ الكيمياءِ إلَى مجالاتٍ أُخرى كثيرةٍ، فَقَدْ ساهَمَتْ في ابْتِكارِ أَنْواعٍ جديدَةٍ من الزُّجاجِ اللاَّزِمِ لِصُنْعِ العَدَساتِ والمَرايَا المُسْتَخْدَمَةِ في المراصِدِ الّتي تَسْتَكْشِف أَغْوارَ الفَضاءِ.
كما كانَ لها دورٌ مهمّ وفَعَّالٌ في صِناعَةِ كثيرٍ مِنْ وَسائِلِ الاتِّصالِ الّتي نَعْرِفَها اليَوْمَ، مثل الرَّادْيو والتِّلفزْيونِ والتّليفونِ المَحْمولِ والحاسِباتِ الآلِيَّةِ وغَيْرِها.
كذَلِكَ أَمْكَنَ، عن طريقِ الكيمياءِ، صُنْع أَنْواعٍ مُتَعَدِّدَةٍ من الصُّلْبِ ومِنْ مُخْتَلِفِ السَّبائِكِ الّتي اسْتُخْدِمَتْ في أَنْواعٍ كثيرَةٍ مِنَ الأَغْراضِ، وساعَدَتْ أيْضًا علَى تطويرِ طُرُقِ اسْتِخلاصِ الفِلِزَّاتِ من خاماتِها.
وقَدْ ساعَد كلُّ ذَلِكَ علَى تَقَدُّمِ علومِ الفَضاءِ، فَقَدْ أَدَّى التَّقَدُّمُ في صِناعَةِ السَّبائِكِ وصِناعَةِ أَلْيافِ الزُّجاجِ وأَلْيافِ الزُّجاجِ وأَلْيافِ الكَرْبونِ، إلَى تَقَدُّمٍ هائل في صناعة الصواريخ وسفن الفضاء التي يَجوبُ بَعْضُها اليَوْمَ الفَضاءَ الخارِجِيَّ.
وقَدْ سَاهَمَتْ الكيمياءُ أَيْضًا بأَدْوارٍ فعَّالَةٍ في مجالِ الغِذاءِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ عن طريقِها الدَّوْرُ المُهِمُّ الّذي تَلْعَبُه الفيتاميناتُ في صِحَّةِ الإنْسانِ.
وقَدْ أَمْكَنَ بواسِطَةِ الكيمياءِ تحضيرُ عديدٍ من المُخَصِّباتِ الزِّراعِيَّةِ الّتي تُساعِدُ علَى نُمُوِّ النَّباتاتِ، مثل مركَّباتِ النِّتراتِ واليورْيا والفُوسْفات وأملاحِ البوتاسيومِ.
كذلِكَ استطاعَ الكيميائِيُّونَ تحضيرَ عديدٍ من مُبيداتِ الحَشراتِ ومُبيداتِ الآفاتِ ومبيداتِ الأعشابِ الضَّارَّةِ، وهي مَوادُّ تمنعُ الحشراتِ والآفاتِ من اسْتِهلاكِ قَدْرٍ كبيرٍ من المحاصيلِ الاقْتِصادِيَّةِ الّتي يحتاجُ إِلَيْها الإنْسانُ.
وهكذا يَتَّضِحُ لَنَا أَنَّ الكيمياءَ لَيْسَتْ عِلْمًا جافًّا أو شديدَ الغُموضِ، ولكنَّها في حقيقَةِ الأَمْرِ جملةُ علومٍ نافِعَةٍ، لها دورٌ فَعَّالٌ في حياةِ الإنْسانِ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]