نبذة تعريفية عن كيفية إنتاج العسل بواسطة “النحل” ومدى أهميته
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العسل كيفية إنتاج العسل النحل أهمية العسل الحيوانات والطيور والحشرات البيولوجيا وعلوم الحياة
في الأَزْهارِ غُدَدٌ لإفْرازِ مَحْلولٍ سُكَّرِيٍّ، يسمَّى الرَّحيقَ ومعظمُ السكّرِ الّذي في الرّحيقِ من السَّكْروزِ (سكَّرِ القَصَبِ)، وهو سكّرٌ ثُنائِيٌّ، والجلوكوزِ (سكَّرِ العِنَبِ)، وهو سكَّرٌ أُحادِيٌّ.
وتزورُ شَغَّالاّتُ النَّحْلِ الأزهارِ لِتَجْمَعَ منها هذا الرَّحيقَ (وحُبوبَ اللَّقاحِ أيضًا)، وقَدْ يجمعُ النَّحلُ موادَّ سُكَّرِيَّةً من سُوقِ بعضِ النباتاتِ وأوراقِها. والشَّغَّالاتُ المسْتَكْشِفَاتُ تُرشِدُ رَفيقاتِها إلى مَوْضِعِ الأزهارِ الغَنِيَّةِ بالرَّحيقِ بِلُغَةٍ عجيبةٍ.
وشَغَّالَةُ النَّحْلِ مُهَيَّأَةٌ لِلْوصولِ إلَى الرّحيقِ مِنْ مَوْضِعِهِ في الزَّهْرَةِ مَهْمَا كانَ عَميقًا. وهي تَلْعَقُ الرّحيقَ بِلِسانِها، ثمَّ تَرْشُفُه إلى جزءٍ من قَناتِها الهاضِمَةِ قَبْلَ المَعِدَةِ، يُسَمَّى «الحَوْصَلَةَ» أو «كيسَ العَسَلِ».
وتَحْكُمُ مَدْخَلَ الحَوْصَلَةِ ومَخْرَجَها عَضلاتٌ قَوِيَّةٌ. والنَّحلَةُ لا تجمعُ الرّحيقَ لِكَيْ تَغْتَذِي هيَ وَحْدَها بِهِ، بلْ إنّها تُحيلُه عَسَلاً تَعودُ بِمُعْظَمِهِ إلَى الخَلِيَّةِ حَيْثُ يُخْزَنُ لِيَكُونَ غِذاءً للصِّغارِ الّتي لَمْ تُغادِرْ الخليَّةَ بَعْدُ، ولجميعِ الأَفرادِ المُحتاجَةِ إليهِ.
وعِنْدَما تَرْتَخِي العضلاتُ الأَمامِيَّةُ لِلْحَوْصَلَةِ تَسْمَحُ بمرورِ الرَّحيقِ (أو العَسَلِ) مِنَ الفَمِ وإليه. أمَّا إذا ارْتَخَتْ العضلاتُ الخَلْفِيَّةُ سَمَحَتْ بمرورِ قليلٍ من هذا الغِذاءِ الحُلْوِ إلى مَعِدَة النَّحْلَةِ لِتَغْتَذِيَ هي بِهِ.
وعِنْدَ انْتِقالِ الرَّحيقِ إلَى الحَوْصَلَةِ يَخْتَلِطُ بِلُعَابِ النَّحْلَةِ، وفيهِ إِنزيماتٌ تُحيلُ ما في الرَّحيقِ من سُكَّرٍ ثُنائيٍّ إلى جلوكوز (سُكَّرِ عِنَب) وفِرَكْتوز (سُكّرِ الفَاكِهَةِ).
وهَكَذا يُصبحُ مُعْظَمُ السّكّرِ الّذي في الرّحيقِ من السّكّريَّاتِ الأُحادِيَّةِ الّتي لا تحتاجُ إلى هَضْمٍ. وتَأْخُذُ النَّحْلَةُ في دَفْعِ الرَّحيقِ ونَقْلِه بَيْن فَمِها وحَوْصَلَتِها حتَّى يتمَّ اخْتِلاطُهُ باللُّعابِ وتَحويلُ السّكّرِ الثُّنائِيِّ الّذي فيهِ.
وتَعودُ الشَّغَّالَةُ الجامِعَةُ إلَى الخَلِيَّةِ، فَتُفْرِغُ هذا العَسَلَ غَيْرَ المُرَكَّزِ في عُيونِها، وكَذَلِكَ تَفْعَلُ بحمولَتِها من حبوبِ اللَّقاحِ التي تَخْتَزِنُها في عيونٍ أُخْرَى. وهُنا تقومُ الشّغّالاتُ المُقيماتُ في الخَلِيَّةِ بِتَرْكيزِ العَسَلِ بِعَمَلِ تَيَّارٍ هَوَائِيٍّ فَوْقَهُ بِرَفيفٍ مُسْتَمِرٍّ من أَجْنِحَتِها حتَّى يَتَرَكَّزَ ويصبحَ عَسَلاً «ناضِجًا».
وتَسُدُّ الشَّغّالاتُ العُيونَ الّتي تَحْوِي العسلَ المركَّزَ الناضِجَ بِطَبَقَةٍ من الشَّمْعِ، إلَى وَقْتِ الحاجَةِ إلَى اسْتِخْدامِهِ. وبعضُ العسلِ يُمْزَجُ بحبوبِ اللَّقاحِ لِصُنْع «خُبْزِ النَّحْلِ».
ويَبْذُلُ النّحلُ جهودًا هائِلَةً في جَمْعِ الرّحيقِ. وذَلِكَ لأنَّ الأَزهارَ تُفْرِزُه بِكَمِّياتٍ ضَئيلَةٍ، ثمَّ إنَّ حَوْصَلَةَ النَّحلَةِ لا تَتَّسِعُ إلاَّ لمقدارٍ ضئيلٍ جدًّا مِنْه. ولِهذا تَطيرُ النَّحْلَةُ عَدَدًا كبيرًا جدًّا مِنَ الرّحلاتِ بيْنَ خَلِيَّتِها والأَزْهارِ الّتي قَدْ تكونُ بعيدةً عَنْها.
ويَسْلُبُ الإنْسانُ مِنَ النَّحْلِ نَحْوَ مِليارِ (أَلْفِ مِليونِ) كيلو جرامٍ من العَسَلِ سَنَوِيًّا. وكذلِكَ تَفْعَلُ أَنْواعٌ غَيْرُ قليلةٍ من الحيواناتِ الّتي تَغْتَذي بِعَسَلِ أَنْواعِ النَّحْلِ البرِّيِّ.
ومَعَ ذَلِكَ فمُعْظَم الرَّحيقِ الّذي تُنْتِجُهُ النباتاتُ لا يُسْتفادُ مِنْه، لأَنَّه لا يوجدُ مِنَ النَّحْلِ ما يَكْفِي لِجَمْعِهِ.
والعَسَلُ النَّاضِجُ سائِلٌ لَزِجُ القَوامِ، ذَهَبِيُّ اللَّوْنِ، نَحْوُ 70% منهُ موادُّ سكريَّةٌ، ولكنَّه يحوِي أيضًا نِسَبًا ضئيلَةً من البروتيناتِ والفيتاميناتِ (ب المركب، ج، ك – انظر: فيتامين)، والإنْزيماتِ والأَحماضِ العُضْوِيَّةِ والأَملاحِ المَعْدِنِيَّةِ.
وتَخْتَلِفُ الأَعْسالُ لَوْنًا ومَذَاقًا ورائِحَةً ونَكْهَةً باخْتِلافِ الأَنواعِ الغالِبَةِ الّتي جُمِعَ مِنْها الرَّحيقُ؛ وهذه تَتَبايَنُ بِتَبايُنِ البِقَاعِ والفُصولِ.
والعَسَلُ غِذاءٌ مُمْتازٌ، يَمُدُّ الجِسْمَ سريعًا بالطَّاقَةِ لأنَّه غَيْرُ مُحْتاجٍ إلَى هَضْمٍ، ولَيْسَ لَهُ مُخَلَّفاتٌ نيتروجِينِيَّةٌ تحتاجُ إلَى عَمَلِ الكُلْيَتَيْن لإخْراجِها
ولِذَلِكَ كانَ العَسَلُ غِذاءً يناسِبُ المَرْضَى والنَّاقِهينَ مِنَ المَرَضِ والرِّياضيِّينَ والشُّيوخِ والأَطفالِ، بَلْ إنَّه مفيدٌ لجميعِ الأَعْمارِ.
وكانَ العَسَلُ هو المَصْدَرَ الوحيدَ للسُّكّرِ عندَ القُدَماءِ، واسْتَخْدَمَه قدماءُ المِصْرِيِّين في تَحْنيطِ مَوْتاهُم. ويُقْبِلُ النّاسُ في جميعِ أَنْحاءِ العالَمِ علَى تَناوُلِهِ، كما أنَّه يُسْتَخْدَمُ اسْتِخدامًا واسِعًا في عَمَلِ الحَلْوَى والأَشْرِبَةِ الدَّوائِيَّةِ ومُسْتَحْضَراتِ التَّجْميلِ.
والعَسَلُ يريحُ الجِهازَ الهَضْمِيَّ، ومُطَهِّرٌ للأَمْعاءِ، ومفيدٌ في علاجِ قُرَحِ المَعِدَةِ والأَمْعاءِ وأَمراضِ الكَبِد وبعضِ حالاتِ التَّسَمُّمِ. وهو مفيدٌ أيضًا في التِهابِ الحَلْقِ والسُّعالِ، وحالاتِ ضَعْفِ القَلْبِ وارْتِفاعِ ضَغْط الدَّمِ وتَصَلُّبِ الشّرايين.
ويُساعِدُ العسلُ في علاجِ الْتهابِ الكُلى وقُرَحِ المَثَانَةِ، والْتِئامِ الجُروحِ. والبَكتيرْيا وغيرُها من جَراثيمِ الأَمْراضِ لا تَسْتَطيعُ النُّمُوَّ فيهِ لارْتفاعِ تَرْكيزِ السّكَّر فيهِ.
ولكنَّ العَسَلَ، علَى عظيمِ قِيمَتِهِ العِلاجِيَّةِ، هو – كأيِّ دَواءٍ – يجبُ أنْ تُحدَّدَ اسْتِعمالاتُهُ، وجُرَعُهُ، وطريقَةُ التَّداوِي بِه ومُدَّتُهُ، بَلْ ومَوَانِعُ اسْتِخدامِهِ في بَعْضِ الأَحْيانِ.
وفي سورَةِ النَّحلِ، ذَكَر اللهُ أَنَّهُ – سُبْحانَهُ، جَلَّ مِنْ خالِقٍ – أَوْحَى إلَى النَّحْلِ كيفَ تَتَّخِذُ بيوتَها، ثمَّ أَخْبَرَ في الآيةِ التَّالية:(ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل 69).
ونحنُ الآنَ نَعْرِفُ، مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ العَسَلَ يخرجُ من «بطونِ النَّحْلِ» لأنَّه يخرجُ من حَواصِلِها وأَفْواهِها. كذَلِكَ عَرَفْنا أنَّ عسلَ النَّحْلِ «مختلفُ الأَلوانِ» لأنَّ الأَعسالَ مُخْتَلِفَةُ الطّعومِ والرَّوائِحِ والأَلْوانِ والخَصائِصِ، كما تَأَكَّدَ لنا أنَّ «فيهِ شِفاءً للنَّاسِ».
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]