نبذة عن حياة الأمير”عبد القادر الجزائري”
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الأمير عبد القادر الجزائري شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
هذا البَطَلُ المُجاهِدُ هو الأميرُ عَبْدُ القادِرِ بنُ مُحْيِي بنِ مصطفَى الحُسَيْنِيُّ الجَزائِريُّ، يَنْتَمِي إلَى قبيلَةِ هاشِمٍ، إحدَى القبائِلِ العَرَبِيَّةِ الكبيرَةِ في الجزائِرِ.
وُلِدَ الأميرُ عبدُ القادِرِ في إحدَى القُرَى بالقُرْبِ من مدينَةِ وَهْرَانَ، وتَعَلَّمَ في وهرانَ. وكانَتْ بلادُهُ في ذلِكَ الوقتِ تابِعَةً للدّولَةِ العُثْمانِيَّةِ، وبعضُها كانَ تابِعًا لِسلْطانِ مَرَّاكِش.
وكانَ في العشـرينَ من عُمْرِهِ عِنْدَما احْتَلَّتْ فَرَنْسا بلادَهُ الجزائِرَ، فَعَرَضَ بعضُ زُعماءِ القبائِلِ علَى والِدِ الأميرِ قيادَةَ المُقاوَمَةِ ضِدَّ الاحْتِلالِ الفَرَنْسِيِّ، فَرَفَضَ هذا العَرْضَ. فَلَمَّا ألَحُّوا علَيْهِ اقْتَرَحَ عَلَيْهِم أَنْ يُوَلُّوا ابْنَه مَكانَهُ، فَقَبِلُوا، وبايَعوا الأميرَ عبدَ القادِرِ سنة 1832 قائدًا لَهُم.
بَدَأَ الأميرُ في تَنْظيمِ قُوَّاتِهِ، واتَّخَذَ من مدينَةِ «مُعَسْكَر» عاصمةً لَهُ، وسَيْطَرَ علَى ميناءِ أَزور قُرْبَ وَهرانَ لِيُؤَمِّنَ لِنَفْسِه مَنْفَذًا إلَى الخارِجِ. ثُمَّ بَدَأَ عَمَلِيَّاتِهِ الحَرْبِيَّةَ ضِدَّ قُوَّاتِ الاحْتلالِ الفَرَنْسِـيِّ، علَى طريقَةِ الهُجومِ المُباغِتِ ثُمَّ الهَرَبِ السَّريعِ، فَأَوْقَعَ خَسائِرَ كبيرَةً في القُوَّاتِ الفَرَنْسِيَّةِ.
وسَيْطَرَ علَى إقليمِ وَهْرانَ بِكامِلِهِ، ما عَدَا مَرْكَزَيْن فَرَنْسِيَّيْنِ علَى السَّاحِلِ، هما مدينَةُ وهرانَ ومدينةُ مُسْتغانَمْ.
واضْطُرَّتْ الحكومةُ الفَرَنْسِيَّةُ بعد عِدَّةِ هزائِمَ إلَى عَقْدِ معاهَدَةِ صُلْحٍ معَ الأميرِ عبدِ القادِرِ سنةَ 1837، عُرِفَتْ بمُعاهَدَةِ «تافْنَةَ». ووَقَّعَها عن الجانِبِ الفَرَنْسِيِّ حاكمُ وهرانَ الجنرالُ بيجو.
وكانَ أَهَمُّ ما في هذهِ المُعاهَدَةِ هو اعترافَ فَرَنْسا بِسُلْطَةِ الأميرِ عبدِ القادِرِ علَى أكثرَ مِنْ ثُلُثَيْ الأَراضِي الجزائِرِيَّةِ، واحتَفَظَتْ هي بِسُلْطَتِها علَى عَدَدٍ من المَراكِزِ السَّاحِلِيَّةِ.
وفي فَتْرَةِ الصُّلْحِ وَسَّعَتْ فَرَنْسا من نُفوذِها، فَقَامَتْ باحْتِلالِ مَدينَةِ قُسْنْطينَةَ بَعْدَ مَعارِكَ طاحِنَةٍ. كما استطاعَ الأميرُ عبدُ القادِرِ خلالَ هذهِ الفَتْرَةِ تَقْوِيَةَ نفوذِهِ في أَنْحاءٍ عديدةٍ من الجزائِرِ.
وأَنْشَأَ قُوَّةً يُخْشَى مِنْها، فَأَلَّفَ حكومَةً وَطَنِيَّةً وجيشًا حديثًأ مُنَظَّمًا تنظيمًا جَيِّدًا، يَضُمُّ عشـرةَ آلافِ جندِيٍّ، وأقامَ مصانِعَ للسِّلاحِ والذَّخيرَةِ. فَخَشِيَتْ فَرَنْسا من ازْدِيادِ نُفوذِهِ، فَبَدَأَ الحاكمُ الجديدُ للجَزائِرِ، واسمُه فَاليه، في التَّحَرُّشِ بالأميرِ، وبَدَأَ في بناءِ المُسْتَوْطَناتِ في إقليمِ قُسَنْطينَة.
عادَتْ الحربُ مِنْ جديدٍ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ في الثالِثِ والعِشرينَ من أكتوبرَ سنةَ 1839، فأعادَتْ الحكومةُ الفَرَنْسِيَّةُ تعيينَ بيجو حاكمًا عامًّا للجزائِرِ، وأَمَدَّتْه بأكثرَ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ جندِيٍّ، فقادَ المعارِكَ ضِدَّ الثُّوارِ الجزائرِيِّينَ وأميرِهِمْ عبدِ القادِرِ.
وكانَ بيجو جَبَّارًا لا يَعْرِفُ الرَّحْمَةَ فاسْتَطاعَ، بِسَبَبِ ضَخامَةِ جيشِهِ وأُسْلوبِهِ العَنيفِ في القِتالِ، القَضاءَ علَى العديدِ من قُوَّاتِ الثَّوْرَةِ الجزائِرِيَّةِ. ويَرَى بعضُ المُؤَرِّخينَ أنَّ الجزائِرَ فَقَدَتْ في هذهِ الحَرْبِ، الّتي اسْتَمَرَّتْ سَبْعَ سنواتٍ، أكثرَ من ثلاثةِ ملايينِ جزائِرِيٍّ.
بَعْدَ أنْ ضَعُفَتْ قُوَّاتُ الأميرِ عبدِ القادِرِ اضْطُرَّ إلَى اللُّجوءِ إلَى مَرَّاكِشَ. وأدَّى هذا إلَى وقوعِ حَرْبٍ بَيْنَ سُلْطانِها وفَرَنْسا – فَخَشِـي السُّلْطانُ علَى حُكْمِهِ، فَطَلَبَ من الأميرِ المُغَادَرَةَ، فعادَ إلَى الجزائِرِ، واسْتَأْنَفَ القِتالَ ضِدَّ الفَرَنْسِيِّينَ مِنْ جديدٍ.
ولكنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ الصُّمودَ طويلاً، بَعْدَ أَنْ فَقَدَ الكثيرَ من أَعْوانِهِ، فاضْطُرَّ إلَى الاسْتِسْلامِ سنة 1847، فَنَفاه الفَرَنْسيُّونَ إلَى مدينَةِ طولونَ في فَرَنْسا، ثمَّ إلَى أبنوازْ، حيثُ قَضَى في الأَسْرِ ما يَقْرُبُ من خَمْسِ سَنَواتٍ.
ولمَّا تَولَّى نابليونُ الثالِثُ الحُكْمَ في فَرَنْسا سنة 1852، أَطْلَقَ الأميرَ عبدَ القادِرِ بَعْدَ أن اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ألاَّ يعودَ إلَى الجزائِرِ، وخَصَّصَ لَهُ راتِبًا سَنَوِيًّا (أربعة آلافِ جنيهٍ إسْتِرْلِينَيٍّ)، وخيَّرَه بَيْنَ البَقَاءِ في فَرَنْسا أو الرَّحيلِ عَنْها، فاختارَ الرَّحيلَ، فَغَادَرَ فَرَنْسا مُتَّجِهًا إلَآ الآسِتانَةَ (اسطنبول) في تُرْكِيَا.
ثمَّ اسْتَقَرَّ في دِمَشْقَ حتَّى وفَاتِهِ سنةَ 1883، ودُفِنَ هُناكَ. ولكنَّ الحكومَةَ الجزائِرِيَّةَ طَلَبَتْ نَقْلَ رُفاتِهِ إلَى الجزائِرِ، فَنُقِلَ إليها سَنَةَ 1967.
وللأميرِ عَبْدُ القادِرِ الجَزائِريُّ عِدَّةُ مُؤَلَّفاتٍ، أَهَمُّها:
1– «ذِكرَى العاقِلِ، وتَنْبيهُ الغافِلِ» – كتابٌ في العلومِ والأَخْلاقِ.
2- «الصَّافِناتُ الجِيَادُ» – كتابٌ في الخَيْلِ وأَوْصافِها.
3- «المَواقِفُ» – كتابٌ في التَّصَوُّفِ.
4- «المِقْرَاضُ الحادُّ لِقَطْعِ لِسانِ الطَّاعِنِ في دينِ الإسْلامِ مِنْ أَهْلِ الإلْحَادِ».
5– ديوان شعر
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]