نبذة عن حياة الشاعر “أبو العَلاءِ المَعَرِّي”
1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الشاعر أبو العلاء المعري شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
شاعرُ من أعظمِ شعراءِ العربيّةِ وعالمٌ لُغويّ ومفكّرٌ تعمَّقَ في شؤون الإنسان والحياة والموت والخَلْق والكون.
ذاك هو أحمدُ بنُ عبد الله بن سليمان المشهورُ بأبي العلاء التَنُوخي نسبة إلى قبيلة تنوخ العربية، والمعرّي نسبة إلى مَعَرَّةَ النُّعمان، البلدة التي ولد وعاش بها، وهي ما بين حلب وحَماة من بلاد الشام.
كانت ولادته نحوَ عام 363هـ (973م) ووفاتُه نحوَ عام 449هـ (1057م)، ودُفن في معرّة النعمان.
أصيب في الرابعة من عمره بمرض الجدريالذي أَوْدَى ببصـره وعاش أكثر حياته بالمعّرة ولكنه تنقل في أجزاءَ أخرى من بلاد الشام حتى وصل إلى بلاد الأناضول، كما زار بغداد واتصل بأدبائها.
وفي نحوِ سنةِ أربعمئة للهجرة قرر أن يلزمَ مسكنه ولا يغادرَه وسمى نفسه (رهينَ المَحْبِسَيْن) : حَبْس العَمى وحَبْس دارِه.
وكان يقول: "أنا أحمدُ الله على العمى، كما يَحمدُهُ غيري على البَصـَر". وقَصَده مجموعُ كبيرٌ من طلّاب العلم ليدرِسُوا على يَدِه ويسمَعُوا منه.
كان المعرّي يتمتع بقدرةٍ خارقةٍ على الحفظ والاستذكار. وقد بدأتْ ملامحُ ذكائِه منذُ مرحلةٍ مبكّرةٍ من حياتِه. وتُحكى في ذكائِه وشدّةِ حفظه حكاياتٌ كثيرة ومنها الحكاية التالية، مثلاً على شدةِ حفظه لِما كان يسمع:
"كان لأبي العلاء جارٌ أَعْجَميّ. فأتَّفَق أنْ غاب هذا الجار عن المعرّة وَحَضر رجلٌ من بلدِه ليقابلَه فوجَده غائباً، ولكنه لم يستطعْ الانتظارَ لحين عودته. فأشارَ إليه أبو العلاء أن يذكرَ حاجتَه غليه.
فأخذ الرجلُ يتكلم بالفارسية وأبو العلاء يُصغي إليه إلى أن فَرَغَ من كلامِه.
ولم يكنْ أبو العلاء يعرفُ الفارسية. وذهب الرجلُ، وقدم جارُه الغائب، وحضـر عند أبي ألعلاء فذكر له حكايةَ الرجلِ ونَقَلَ له بالفارسية ما قال، والجارُ يبكي ويلطم.
ولما فرغ أبو العلاء من حديثه، سأله عن سبب بكائه فقال له بأنه أُخْبِرَ بموت أبيه وإخوته وجماعةٍ من أهله".
وتُحكَى حكاياتٌ كثيرة من هذا النوع تدل على شدّة حفظه، حتى أنه في صباه كان يحفظ صفحاتٍ طويلةً من الكتب.
وكان أبو العلاء يقول: "ما سمعتُ شيئاً إلا حفظتُه، وما حفظتُ شيئاً فنسيتُه". فليستْ العبرةُ بالحفظ وحدَه ولكن ببقاء ما يحفظه الإنسان وبالفائدة التي يجنيها منه.
وقد كان هذا واضحاً في مؤلفات أبي العلاء اللغوّية والأدبية التي تدل على سعةٍ وتعمق في العلم، كما تدل على تأمل وتفكير في المعرفة.
بدأَ المعرّي ينظم الشعرَ وهو في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من العمر. وله دواوينُ شعريةٌ. أشهرها: ديوان "سَقْط الزند"، وهو شعره في مرحلةِ الشباب في شتى الأغراضِ الشعرية، يحوي نحو ثلاثةِ آلاف بيت.
وديوان "لزوم مالا يلزم" المعروف بـ "اللزوميات"، وهو شعرُ المرحلة التالية وخاصةً بعد أن لَزِمَ داره، ويحوي نحو أحدَ عشر ألفَ بيتٍ من الشعر.
وقد كتب أبو العلاء شروحاً وتعليقاتٍ على أشعاره هو، وعلى بعض كتبه اللغوية. فقد كتَب أربعة كتب في شرح ديوان اللزوميات وحده.
ومن أشهر كتب أبي العلاء الأخرى كتاب "الفصول والغايات"، الذي شرحه في كتابين لاحقين، وكتاب "الأيك والغصون" وكتاب "عبث الوليد".
وقد تسلم أبو العلاء رسالة أدبية كتبها له شاعر معاصر له يعرف باسم "ابن القارح"، فرد عليه أبو العلاء بتكاب أدبي رائع هو "رسالة الغفران"، التي يتخيل فيها أبو العلاء أن ابن القارح قد قابل في الجنة والنار عدد كبيراً من الأدباء والشعراء ومشاهير الرجال والنساء وحادثهم أحاديث أدبية رائعة.
تَسُود مسحةٌ من التشاؤم أَغلب شِعرِه. وقد أنتقد فيه كثيراً من مظاهرِ حياةِ مجتمعه. ويظهرُ أثرُ ثقافتِه اللغوّية والفلسفية والدينية المتعمقة في كتاباته وفي عامّة شعره.
ويقال إن أبا العلاء أوصى أن يُكْتَبَ على قبرِه هذا البيتُ من الشعر:
هذا جَناهُ أَبي عَلَيَّ
ومَا جَنيتُ على أَحدْ
أي أن أباه هو الّذي جاء به إلى الحياة، ولكنه هو لم يُخْلِفْ وَلَدَاً من بعده فيجني عليه، وهو لم يتزوج أصلاً. وكان هذا جزءاً من نظرته التشاؤمية في الحياة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]