نبذة عن حياة العالم “فريْدرِيتشْ وهْلر”
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
فريْدرِيتشْ وهْلر حياة العالم وهلر شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
كانت الكيمياء قبله وفي حياته وصيفة الصناعة، ولكن من بعده صارت سيدة الطب. إنه فريدريك وهلر ( شكل رقم 228 ) أبو الكيمياء العضوية
أعطني عمرا …
ولد فريدريتش في مستهل القرن التاسع عشر، يوليو عام 1800، على مقربة من مدينة فرانكفورت.
وكان والده متفقهاً في العلم والفلسفة، فتلقّاهما صغيراً عليه. وحبَّب إليه دراسة الطبيعة، ونشَّأه على الميل إلى الرسم وجمع عيِّنات من المعادن .
فكان فريدريتش في صباه يتبادل مع رفاقه تلك العيَّنات كما يتبادل بعضهم طوابع البريد الآن ! وحافظ على هذه الهواية طوال حياته.
وقد لقي بسببها جوته في شيخوخته إذ كان الشاعر العظيم يتفحَّص بعض المعادن في محل بفرانكفورت يختلف إليه فردريك.
ثم ما لبث أن أضاف الكيمياء إلى هواياته. واتصل عن طريق أبيه بصديقٍ للأسرة يمتلك مكتبة ثرية ومعملاً كيميائياً خاصاً، فأذن له في أن يختلف إلى المكتبة للمطالعة وإلى المعمل لإجراء التجارب.
وأهدى إليه مدير إدارة سك النقود بألمانيا فرناً ليستعمله في تجاربه فحرق أصابعه بالفسفور مرة، وكاد أن يقضي عليه في أخرى لمَّا تحطم بين يديه وعاء زجاجي يحتوي على الكلور السام، ولكنه نجا لأن في العمر بقية ولأنه مقدورٌ لنا أن نكتب عنه هذه القطوف.
المستقبل … للكيمياء
لما شبَّ فريدريتش ذهب إلى جامعة ماربورج حيث تلقَّى أبوه العلم. فانتظم في سلك طلاب الطب ونال جائزة على رسالته "نفايا البول" .
ومما يؤثر عنه أنه جرَّب تجارب خطيرة في كلبه وفي نفسه! ولكن الكيمياء لا تزال المجال الذي فتن قلبه ، فابتنى معملاً كيميائياً صغيراً خاصاً به حضّر فيه بعض المركبات .
ولما حمل أحد هذه المركبات إلى أستاذه فرزر أنَّبه لأنه يضيِّع وقته في التجارب الكيميائية بدلا من الإنصراف إلى دروسه الطبية . فامتعض الفتى ولم يحضر بعد ذلك محاضرات أستاذه! .
وسمع فريدريتش عن عالمٍ مشهور في جامعة هيدلبرج يدعى ليوبولد جملين، فرغب في أن يتلقى العلم عليه. فانتظم في هذه الجامعة حيث أتم دراسته في الطب ونال شهادته منها، وأعد العدة لزيارة أشهر المستشفيات في عواصم أوروبا قبل ممارسته المهنة .
ولكن جملين كان قد راقبه وهو يجري تجاربه في معمل الكيمياء، فقال له يوما : إن من العبث أن تمارس الطب لأن العمل في ميدان الكيمياء أجدى وأفضل!
وبسط له ما في عمل الكيمياء من متعة ولذة وفتنة. وكان فريدريتش لا يحتاج إلى بلاغة للاقتناع بذلك لأنه كثيراً ما أُغري بترك الطب ليتفرغ لدراسة الكيمياء .
وفي هذه الأثناء قدَّم التلميذ لمعلمه رسالته في تحضير حمض السيانيك فقرأها معجباً . ولكنه لم يخطر له حينئذ أن هذه الرسالة ستُفضي بعد بضع سنين إلى تركيب اليوريا فتفتح بذلك في الكيمياء عهداً جديداً .
السَّفر … إلى الأستاذ
ذكر جملين لفريدريتش اسم العالم السويدي برزيليوس، وحدَّثه عما أحرزه من شهرةٍ في أوساط أوروبا العلمية، فتحمَّس فريدريتش على أمل أن يقبله العالم الكبير تلميذاً له أو مساعداً .
فكتب الألماني إلى السويدي بهذا الخصوص، وردَّ برزيليوس رداً يقطر وداعة ورقة: "إن من درس الكيمياء على جملين قلما يستطيع أن يتعلَّم مني شيئاً إضافيا، ولكنني أرغب في معرفتك فتعال أنَّى شئت". فطرب فردريك لذلك، وخفَّ إلى جملين ليطلعه على رد برزيليوس، وشرع تواً في السفر إلى ستوكهلم .
ولما وصل إلى ثغر لوبك على بحر البلطيق قيل له إنه لا بد من الانتظار ستة أسابيع قبل إقلاع السفينة إلى عاصمة السويد فضاق صدره .
ولما كان لا يريد أن يضيع وقته فقد تمكَّن بواسطة صديق له ، كان يبادله عينات المعادن، من العمل في معمل كيميائي هناك ، حيث حاول البحث عن أسلوبٍ مبتكر لتحضير مقادير كبيرة من البوتاسيوم ، وهو العنصر الذي كان السيرهمفري ديفي قد اكتشفه من قبل واستفرده.
ولما نزل من الباخرة وعرف مأمور الجوازات أنه قادم من ألمانيا لتلقي العلم على برزيليوس، رفض أن يأخذ منه الرسم المقرر قائلاً: إن احترامي للعلم ولمواطني الممتاز برزيليوس يأبى علي أن آخذ مالاً من رجلٍ حمله حُبُه للعلم أن يرحل كل هذه الرحلة الشاقة ليتتلمذ عليه .
وصل فريدريتش إلى ستوكهلم ليلاً، فما أن طلع الصباح حتى هُرع إلى بيت برزيليوس . قال : "وفي الصباح وقفت وقلبي يخفق أمام بابه أقرع جرسه، ففتح لي رجل بدين قوي البنية، وكان هو برزيليوس نفسه، فلما تقدَّمني إلى معمله تصورت أنني أحلم" .
درسٌ .. لا يُنسى
في المعمل أعطى الأستاذ تلميذه الجديد بوتقة من البلاتين وزجاجة وميزاناً، وعهد إليه بدراسة بعض المعادن. فلما تعجَّل فريدريتش العودة إلى أستاذه ليطلعه على النتائج، قال الأستاذ محذِّراً : أسرعتَ يا دكتور ولكنك لم تُجدْ " .
ولم ينس فريدريتش هذا التحذير أو الدرس طوال حياته، فكان له صمام الأمان في مواقف كثيرة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]