نبذة عن حياة الفيسلوف “ابنُ طُفَيْل”
1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الفيلسوف ابن طفيل شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
هو أبو بكر محمدُ بنُ عبد الملك بنُ محمد بنُ محمد بنُ طفيل، من قبيلةِ "قيس" إحدى قبائِل العرب المشهورة، فيلسوفٌ مغربي من أعظم المفكرين المسلمين، ومن أبرزِ فلاسفة الأندلس.
لم يُحَدِّدْ المؤرخون تاريخ مولده بدقة، ويُرَجِّح بعضُهم أنه كان بين عامَيْ 497 و 502 هـ : 1101 و 1106م.
وُلِدَ في "وادي آش"، وهي بلدة بوادٍ خصب، تبعد أربعين ميلا إلى الشمال الشرقي من مدينة غِرْنَاطة.
اشتغل ابنُ طفيل بالعلم والأدب والسياسة، ونبغ في الطب، والفلسفة، والرياضيات، والفلك وتَقَلَّبَ في عِدَةِ مناصب، فزاول الطبَ بغرناطة دارسا وطبيبا، ثم عيّنه واليها أمينا لأسراره.
وفي سنة 1154م أصبح كاتَم أسرار أبي سعيد بن عبد المؤمن، حاكم سبتة وطنجة، الذي أسس أبوه دولة المُوَحِّدين.
وتمر الأيامُ فيصبح الطبيبَ البارعَ لدى أبي يعقوب يوسف سلطان المغرب، وتتوثق علاقتهما لدرجة تأثيره في السلطان، وجَذْبِ العلماء إلى بلاطه، مثل ابن رشد.
ولقد احتفظ ابن طفيل بمكانته العظيمة في قلب أبي يعقوب حتى وفاته عام 1184م، ثم امتدت صداقته إلى ولدِه أبي يوسف يعقوب، وظل مُقَرَّباً، حتى وافاه الأجل بمراكش عام 581هـ : 1185م، فَشَيَّعَ الخليفة جثمانه بنفسه، بعد حياةٍ حافلةٍ بحب البحث والعلم والتأمل.
وأما ابنُ طفيل الفيلسوف فله مذهب خاص يميزه، وقد نقد آراءَ الفارابي، و ابن سينا، وابن رشد، والغزالي، وخرج على الدنيا بقصته العالمية الرائعة "حَيّ بن يَقْظان"، التي تُعتبر بحق من أعظم ما عَرَف الفكرُ البشـري من قصص في العصور الوسطى.
وما يعتز به فلاسفة الإسلام وأدباؤهم، ولها أثرها البالغ في تيار الفكر الأوروبي حتى تَرَسَّمَ خُطاها كثيرٌ من كتاب الغرب، كقصة "روبنسون كروزو" المشهورة التي تصور بعضَ ملامح الحياة الأوروبية. ولكن قصةَ ابن طفيل تَفْضُلَهَا في الجانب الفلسفي، وبأن جميع َ لغات العالم قد اهتمت بترجمتها.
فحيُّ بن يقظان طفل رضيع، نشأ في جزيرة هندية لا يسكنها بشر، ثم حَنَتْ عليه ظَبْيَةٌ فأرضعته حتى نما، وتكلم بلغة الحيوانات والطيور.
فلما شَبَّ وكبر تمكّن بالنظر والتأمل أن يصل إلى غذائه وكسائه وسلاحه، فاتخذ من ورق الشجر والريش ثم من جلودِ النسور لِباساً، ومن العِصيِّ سلاحاً، وأدرك فَضْلَ يديه.
ثم اكتشف النار، ومَسَّها فأحرقتْ يَدَه، فأمسك بعود من طرفه البعيد عن النار، ونَقَله إلى مسكنه واهتدى إلى استخدامها في إنضاج طعامه.
ثم تعلم الغَزْل وصناعةَ الإبر وآلاتِ الصيد والدفاع وزاد تأمله في الكون وما فيه من النبات والحيوان والمعادن، ورآها تتفق في بعض الصِّفات، وتختلف في بعضِها الآخر، فكُلُّها أجسام، ولكن للحيوان روحاً يمتاز بها عن الجماد والنبات، وأن هذه الرُّوحَ أكرمُ من الجسد الفاني.
ثم نظر إلى الأجسام البسيطة التي تتغير صورُها، كالماء يصير بخارا، ثم يعود ماء، وتبين أن تَحَوُّلَ الصور هكذا لا بد له من مؤثر وفاعل، وأن كلَّ ما يقع عليه الحِسُّ محتاجٌ إلى فاعل. ثم تطلع إلى السماء باحثاً مفكراً، حتى وصل بعقله إلى الفاعل العظيم المتصف بجميع صفات الكمال، وهو الله تعالى.
بَلَغ "حَيُّ" التاسعة والأربعين من عمره، فهبط عليه شخص اسمه (أَبّسال) من جزيرة أخرى، مؤمناً بدين سماوي هو الإسلام، معتزلاً الناس للعبادة.
فتعرف عليه "حيُّ" وشاهده في صَلَاته وعبادته، وتعلم منه أسماءَ الأشياء حتى نَطَق بها، ثم أعلمه بقصته وكيف انتهى به التفكير إلى معرفة الله، ثم تبين له أن شريعة محمد، صلى الله عليه وسلم، هي الحقُ بعينه، وأنه رسولٌ، فَصَدَّقَ برسالته.
وذاتَ يوم رأى "حيُّ" و "أَبْسال" سفينةً فَركِبَاها، وذهبا إلى جزيرة "أبسال" وأخذ "حيُّ" ينشر عِلْمه وحمته، ولكن أهلَ الجزيرة انفضوا عنه، فأيقن أن الخيرَ كلَّه في منهج الرسل، وأن طريق الفلسفة غريبٌ على عقول الناس، وأخذ يَحُثُّهم على التمسك بالشريعة.
وقد أراد ابنُ طفيل من قصته هذه إثباتَ أن الإنسانَ قادرٌ على أن يهتديَ بعقله إلى كلِّ ما يحتاج إليه في حياته وأن يهتديَ بنفسه – دون إرشاد – إلى معرفة الله، وأن الحكمة كلَّها والخيرَ في التزام شَرْع الله واتباع رسله.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]