نبذة عن حياة القائد “عبدالرحمن الغافقي”
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
القائد عبد الرحمن الغافقي شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بِشْرِ بنِ صارِمٍ الغافِقِيُّ، أبو سعيدٍ أميرُ الأَنْدَلُس، من كبارِ القادَةِ الشُّجْعانِ. أَصْلُه مِنْ غافِق من قبيلةِ «عك» إحدَى القبائِلِ اليَمَنِيَّةِ، من التَّابِعينَ الّذينَ عُرِفُوا بالتَّقْوَى.
عاصَرَ أبناءَ كبارِ الصَّحابَةِ مثلَ عبدِ اللهِ بنِ عُمَر، وتَلَقَّى الفِقْهَ والحديثَ عَنْه وعَنْ غَيْرِهِ. وهُوَ أَحَدُ القادَةِ المسلمينَ الحازمينَ بَعيدِي الهِمَّةِ الشُّجْعانِ المُتَحَمِّسينَ للجهادِ في سبيلِ اللهِ.
نَزَحَ إلَى الأَنْدَلُسِ، وكانَتْ وقْتَذاكَ تَعِجُّ بالفِتَنِ والمُشاحَناتِ، قَبْلَ أَنْ يلِيَها السَّمْحُ بنُ مالكٍ الخَوْلانِيُّ الّذي ولاَّهُ الخليفةُ عُمَرُ بن عبدِ العزيزِ علَى الأندلسِ سنة 100هـ: 719م.
فقامَ السَّمْحُ بِعِدَّةِ إصْلاحاتٍ إدارِيَّةٍ وعُمْرانِيَّةٍ كبيرَةٍ، وأعادَ النِّظامَ والاسْتِقرارَ إلَيْها. وبعدَ أنْ اسْتَقَرَّت أمورُها علَى يَدَيْهِ، أَحْيَا حَرَكَةَ الفُتوحِ بعبورِهِ جبالَ البرت، وغَزَا الأَراضِيَ المُمْتَدَّةَ وراءَها شَمالاً، والمعروفةَ حينَذاك بِبِلادِ الفِرِنْجَةِ أو بلادِ الغَالِ.
كذلِكَ قادَ السَّمْحُ جُنْدَهُ إلَى طَرْسونَةَ واسْتولَى عَلَيْها، وحاصَرَ تولوزَ أُولَى مدائِنِ أَقْطانْيا. لكنَّ الدُّوقَ أودورَ مَلِكَها جمعَ جيشًا كبيرًا، ودارَتْ المعرَكَةُ بَيْنَهُم وانْتَصَـرَ الدّوقُ أودور واسْتُشْهِدَ كُلُّ جنودِ المسلمينَ حَتَّى السَّمْحُ بنُ مالِكٍ، الّذي سَقَطَ شهيدًا علَى أَرْضِ المَعْرَكَةِ وكانَ ذَلِكَ في سنةِ 102هـ: 720م.
فتولَّى عَبْدُ الرَّحْمَن الغافِقِيُّ عَمَلِيَّةَ انْسحابِ فُلولِ الجَيْشِ الإسلامِيِّ بَعْدَ أنْ اختارَه الجنودُ قائِدًا لَهُم، ونَجَح عَبْدُ الرَّحْمَن الغافِقِيُّ في تِلْكَ المُهِمَّةِ نجاحًا كبيرًا، إِذْ قادَ الانْسِحابَ بِمهارَةٍ فائِقَةٍ إلَى مَدينَةِ أَرْغون الّتي كانَتْ قاعِدَةً عَرَبِيَّةً إِسْلامِيَّةً لِغَزْوِ ما وراءَ جبالِ البرت.
ولَكِنْ نشأ خلافٌ بَيْنَه وبَيْنَ عَنْبَسَةَ بنِ سَحيمٍ، فعزلَ الوالِي عبدَ الرَّحمنِ الغافِقِيَّ وعيَّنَ عَنْبَسَةَ بن سحيمٍ واليًا علَى الأَنْدَلُس عام 105هـ: 723م.
تابَعَ والي الأندلسِ الجديدُ عَنْبَسَةُ بنُ سحيمٍ عمليَّةَ الفَتْحِ إلاَّ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ هو أيضًا سنةَ 107هـ: 725م. وعيَّن الخليفةُ الأُمَوِيُّ هشامُ بنُ عبدِ المَلِكِ عبدَ الرحمنِ الغافِقِيَّ واليًا علَى الأَنْدَلُسِ عامَ 112هـ. وانَ الغافِقِيُّ معروفًا بحماسَتِهِ للجِهادِ في سبيلِ اللهِ ونَشْـرِ كَلِمَةِ الإسلامِ عالِيًا، فَوَضَعَ نُصْبَ عَيْنِه غَزْوَ بلادِ غَالَه (فَرَنْسا حالِيًّا).
وأَخَذَ الغافِقِيُّ يُعِدُّ العُدَّةَ لِذَلِكَ، ويطوفُ أَنْحاءَ الأَنْدَلُسِ، يُنَظِّمُ شؤونَها، ويُوَحِّدُ صفوفَ أَهْلِها مِنْ عَرَبٍ وغيرِهِمْ، ويَدْعُو العربَ مِنَ اليَمَنِ والشَّامِ ومِصْـرَ وأَفْريقْيا إلَى مُناصَرَتِه فَلَبَّى الكثيرونَ مِنْهُمْ دَعْوَتَه.
خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَن الغافِقِيُّ بِحَمْلَتِهِ الكبيرَةِ في أوائِلِ 114هـ: 723م، وكانَ مَعَهُ 70 ألفَ جنديٍّ تَقْريبًا، غَالِبِيَّتُهُمْ من البَرْبَر (رِواياتٌ أخرَى تقولُ إنَّه كانَ يقودُ 400 ألفِ مقاتلٍ)، فاجتازَ جبالَ البَرَانِسِ، وغَزَا المُدُنَ الواقِعَةَ علَى نَهْرِ الرُّونِ، ثمَّ اكْتَسَحَ أقْطانْيا وبورغونيه، وعَبَرَ نَهْرَ الجارون، واسْتَوْلَى على مدينةِ بَرْديل أو بُرْدال (بوردو الحالِيَّةِ).
وكسبَ جيشُ المسلمينَ غنائِمَ كثيرةً عَاقَتْ فيمَا بَعْدُ حَرَكَةَ قُوَّاتِهِ، وكانَتْ سببًا رئيسِيًّا في هَزيمَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وعِنْدَما عجزَ أودورُ دوقُ أَقْطانْيا عَنْ التَّصَدِّي للمسلمينَ بمُفْرَدِهِ اسْتَنْجَد بشارْل رئيسِ البلاطِ المَلَكِيِّ، الّذي عُرِفَ بعدَ ذَلِكَ بشارْل مارْتِلْ، وكانَ يَتَمَتَّعُ بنفوذٍ كبيرٍ، وبسُلْطَةٍ واسِعَةٍ في عَهْدِ الملوكِ الميروفنجيين.
ورَغْمَ ما كانَ بينَ شارْل مارْتِلْ ودوقِ أَقْطانْيا من عداوةٍ ومُشاحَنَاتٍ لَبَّى نِداءَ الدُّوقِ، لأنَّه رأَى في قضاءِ المسلمينَ علَى دوقِيَّةِ أَقْطانْيا دُنُوَّ خَطَرِهِمْ من بِلادِهِ، وتَهْديدَهُم المباشِرَ لِدَوْلَةِ الميروفنجيين الّتي يتسلَّط هو علَى أمورِها.
لذا جَمَعَ مارْتِلْ جيشًا كبيرًا من الغاليِّينَ والجِرْمانيِّين للتَّصَدِّي لِجَيْشِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الغافِقِيِّ. والْتَقَى الجَيْشان في مكانٍ يَقَعُ بينَ بَلْدَتَيْ تُور وبُوَاتْييه بالقربِ من نَهْرِ اللُّوَارِ، في مَوْضِعٍ قريبٍ من طريقٍ رومانِيٍّ قديمٍ يُسَمَّى «البلاط»، وكانَ ذَلِكَ في رمضان سنةَ 114هـ: 732م.
ودارَتْ بَيْنَهما معركةٌ عنيفةٌ حاسِمَةٌ امْتَدَّتْ لأكثرَ من أسبوعٍ، انْتَصـر فيها المسلمونَ في البِدايَةِ، ولكنْ تَمَكَّنَتْ القُوَّاتُ الجِرْمانِيَّةُ من شَنِّ هجومٍ عنيفٍ على مُؤَخِّرَةِ جَيْشِ المسلمينَ فأدَّى إلَى تَزَعْزُعِ النِّظامِ بينَ صفوفِهِمْ، وقُتِلَ فيها عبدُ الرَّحمنِ الغافِقِيُّ بَعْدَ أَنْ أصابَهُ سَهْمٌ، فسَقَطَ شَهيدًا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]