شخصيّات

نبذة عن حياة “صلاح الدين الأيوبي”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

صلاح الدين الأيوبي شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

هذا البَطَلُ المُجاهِدُ هو السُّلْطانُ النَّاصِرُ صَلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبِيُّ.

وكانَ اسْمُهُ في بِدايَةِ حياتِهِ يوسُفَ بنَ أَيُّوبٍ بنِ شادِي بنِ مَرْوَانَ بنِ يَعْقُوبَ الدُّوَيْنِيِّ. وُلِدَ في تِكْريتَ في العِراقِ قُرْبَ مدينَةِ بَغْداد سَنَةَ 532هـ (1173م). و

هو ابنُ الأَميرِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ، ويَنْتَمِي إلَى أُسْرَةٍ مُسْلِمَةٍ يَرْجِعُ أَصْلُها إلَى قَرْيَةِ دُوَيْن في شَرْقَيِّ أَذْرِبيجانَ، وهُمْ فَرْعٌ من قبيلَةِ الهَذانِيَّةِ مِنَ الأَكْرادِ.

 

وكانَ أَبوهُ مُحافِظًا لِقَلْعَةِ تِكْرِيت، وكانَ عَمُّهُ أَسَدُ الدِّينِ شيرْكوه قائدًا كبيرًا في جَيْشِ نُورِ الدِّينِ مَحمود زَنْكِي، حاكِمِ حَلَبَ ودِمَشْقَ والمَوْصِلِ وجُزْءٍ من آسْيا الصُّغْرَى.

ولما فَتَحَ نورُ الدّينِ محمودُ زَنْكِي بَعَلْبَكَّ سَنَةَ 1139م عَهِدَ بها إلَى القائِدِ أَيُّوبَ، فانْتَقَلَ صلاحُ الدِّينِ معَ والِدِهِ إلَى بعلبكَّ، حيثُ عاشَ طُفولَتَهُ فيها. كما دَرَسَ القرآنَ الكريمَ والكِتابَةَ، وتَعَلَّمَ فُنونَ الصَّيْدِ ومُنازَلَةَ الحيواناتِ.

ثمَّ انتقلَ صلاحُ الدِّينِ إلَى دِمَشْقَ، حيثُ بلاطُ نورِ الدِّينِ سلطانِ السَّلاجِقَةِ، وهناكَ دَرَسَ المَذْهَبَ السُّنِّيَّ. وتَعَلَّمَ صلاحُ الدِّينِ علَى يَدِ كبارِ العُلماءِ في دِمَشْقَ مثل قُطْبِ الدِّينِ النِّيسابورِيِّ الّذي كَتَبَ «عقيدةَ الإسْلامِ».

 

وكذلِكَ الحافِظِ أبي طاهِرٍ السَّلَفِيِّ، وأبي طاهِرٍ ابنِ عَوْف، وعبدِ اللهِ بنِ بَرِّي النَّحوِيِّ وغَيْرِهم. وتَخَصَّصَ في دِراسَةِ الفِقْهِ الشَّافِعِيِّ إلَى جانِبِ الحَديثِ النَّبَوِيِّ الشّـَريفِ، كما كانَ مُحِبًّا للشِّعْرِ والأَدَبِ.

وعِنْدَما تَوَلَّى القِيادَةَ فيما بَعْدُ كانَ مُستَشاروهُ من كِبارِ قُضاةِ وفُقَهاءِ العَصْرِ. وفي دِمَشْقَ تَسَلَّمَ مَنْصِبَ قائِدِ شُرْطَةِ دِمَشْقَ، فضَبَطَ الأَمْنَ فيها.

وعِنْدَما طَلَبَ الخليفةُ الفاطِمِيُّ في مِصْرَ، المُلَقَّبُ بالخليفَةِ العاضِدِ، المُساعَدَةَ من الأَتابكي نورِ الدِّينِ محمود زِنْكِي، جُهِّزَتْ حَمْلَةٌ عَسْكَرِيَّةٌ كبيرَةٌ بقِيادَةِ القائِدِ الكبيرِ شِيرْكوه سنةَ 559هـ (1164م).

وصَحِبَ شيرْكوهُ مَعَه ابنَ أَخيهِ الشَّابَّ صلاحَ الدِّينِ، وتَحَرَّكَتْ الحَمْلَةُ إلَى مِصْـرَ، حيثُ حَقَّقَتْ انْتصارًا كبيرًا ضِدَّ التَّهديداتِ الصَّليبِيَّةِ علَى الحدودِ الشَّـرْقِيَّةِ لِمِصْـرَ.

 

واسْتَقَرَّتْ الأَوْضاعُ في مِصْرَ لِمَصْلحَةِ الخليفَةِ العاضِدِ والقائِدِ شيرْكوه، وقَضَـى علَى الخَطَرِ الصَّليبِيِّ. وتَكَرَّرَتْ حَمْلاتُ شيرْكوه إلَى مِصْرَ سنةَ 563هـ (1167م)، وسنةَ 564هـ (1169م)، ورافَقَهُ أَيْضًا القائدُ الشابُّ صلاحُ الدِّينِ، حَيْثُ أَظْهَرَتْ الوَقائِعُ العديدَةُ ضِدَّ الصَّليبيِّينَ مزايا صلاحِ الدِّينِ العَسْكَرِيَّةَ والقيادِيَّةَ والإدارِيَّةَ.

ومعَ هذه الانْتصاراتِ الكبيرَةِ الّتي حَقَّقَها شيرْكوه عَيَّنَهُ الخليفةُ الفاطِمِيُّ العاضِدُ وزيرًا لِدَوْلَتِهِ، وبذَلِكَ اسْتَقَرَّ صلاحُ الدِّينِ الأَيوبِيُّ في مِصْرَ مَعَ عَمِّهِ شيرْكوه.

ولكنَّ الوزيرَ شيرْكوه تُوُفِّيَ بَعْدَ فَتْرَةٍ قصيرَةٍ فاختَارَ الخليفَةُ الفاطِمِيُّ العاضِدُ صلاحَ الدِّينِ الأَيُّوبِيَّ للوِزارَةِ وقِيادَةِ الجَيْشِ، ولَقَّبَه «المَلِك النَّاصِرَ»، وكانَ عُمْرُه وَقْتَذَاكَ اثنين وعِشِرينَ سَنَةً. وفي ذلَكَ الوَقْتِ هاجَمَ الفِرِنْجَةُ دِمياطَ، ولكنَّ صلاحَ الدِّينِ الأيوبِيَّ طَرَدَهُم عَنْها.

 

بَعْدَ ذَلِكَ أَعْلَنَ صلاحُ الدِّينِ الأيّوبِيُّ اسْتقلالَهُ بِحُكْمِ مِصْرَ، مَعَ اعْترافِهِ بسيادَةِ الأَتابكي نورِ الدِّينِ زِنْكِي، حاكِمِ الدَّوْلَةِ النُّورِيَّةِ.

وعِنْدَما مَرِضَ الخليفَةُ العاضِدُ سَنَةَ 567هـ (1171م) قَطَعَ صلاحُ الدِّينِ خُطْبَتَهُ من صَلاةِ الجُمْعَةِ، وجَعَلَ الخُطْبَةَ للخليفَةِ العَبَاسِيِّ المُسْتَضيءِ بِأَمْرِ اللهِ، وبِذَلِكَ انْتَهَتَ سُلْطَةُ الخِلافَةِ الفاطِمِيَّةِ رَسْمِيًّا وفِعْلِيًّا.

وعِنْدَما ماتَ نورُ الدِّينِ زنْكِي، حاكِمُ الدَّوْلَةِ النُّورِيَّةِ في دِمَشْقَ، طلبَ كِبارُ الشَّخْصيَّاتِ من صلاحِ الدِّينِ الأيوبِيِّ أنْ يَحْضُرَ لِمَسْكِ زِمامِ الأُمورِ فيها.

 

فقَدِمَ صلاحُ الدِّينِ دِمَشْقَ سنةَ 570هـ (1174م)، ثمَّ مَدَّ سُلْطانَهُ مِنْ دِمَشْقَ إلَى بَعلبَكَّ وحَلبَ وحَمَاةَ، وعيَّنَ المَلِكَ الصَّالِحَ إسْماعيلَ بنَ نُورِ الدِّينِ حاكِمًا علَى حَلَبَ.

عادَ صلاحُ الدِّينِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مِصْرَ فَعَمَّرَ قَلْعَةَ مِصْرَ الّتي أَصْبَحَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مَقَرَّ الحُكْمِ خِلالَ القُرونِ التَّالِيَةِ. وأَنْشَأَ المَدارِسَ، مثلَ المَدْرَسَةِ الكامِلِيَّةِ، والمَدْرَسَةِ الصَّلاحِيَّةِ، والخانِقاة الصَّلاحِيَّةِ للصُّوفِيَّةِ من أَجْلِ نَشْرِ المَذْهَبِ السُّنِّيِّ في مَصْرَ.

وتَمَتَّعَ صلاحُ الدِّينِ الأَيّوبِيُّ بِشعْبِيَّةٍ كبيرَةٍ في مِصْـرَ نتيجةَ عَلاقَتِهِ الطَّيِّبةِ المُباشِرَةِ مَعَ النَّاسِ فأَحَبُّوه كثيرًا. كذَلِكَ عَمِلَ علَى تَحْصينِ السَّواحِلِ والثُّغورِ، مثل الإسْكَنْدَرِيَّةِ.

 

كما اجْتَهَدَ في نَشْرِ سُلْطانِهِ في مِصْرَ كُلِّها مِنْ النُّوبَةِ جنوبًا حتَّى بَرْقَةَ شمالاً. وبذَلِكَ أَسَّسَ صلاحُ الدّينِ السَّلْطَنَةَ الأيُّوبِيَّةَ الّتي حَكَمَتْ مِصْرَ والشَّامَ سنة 567هـ (1171).

وعِنْدَما اطْمأَنَّ صلاحُ الدّينِ الأيوبِيُّ إلَى اسْتِقرارِ الأَوْضاعِ في مِصْـرَ غادَرَها إلَى دِمَشْقَ لِيَبْدَأَ حَمَلاتِهِ ضِدَّ الصَّليبيِّينَ في ساحِلِ الشَّامِ.

ولَعَلَّ أَكْبَرَ الانْتصاراتِ الّتي حَقَّقَها جَيْشُ صلاحِ الدِّينِ الأيوبِيِّ ضِدَّ الصليبيِّينَ كانَ في مَوْقِعَةِ حِطِّينَ سَنَةَ 579هـ (1187م) الّتي فَتَح بَعْدَها بَيْتَ المَقْدِسِ سَنَةَ 583هـ (1191م)، حَيْثُ أَعادَ تَنْظيمَ المَسْجِدِ الأَقْصَى، فأَعادَه إلَى طابَعِهِ الأَوَّلِ، وبنَى بِه مِنْبَرًا جديدًا وأَصْلَحَ المدينَةَ ورَتَّبَ شُؤونَها.

كَذَلِكَ فَتَح صلاحُ الدِّينِ طَبَرِيَّةَ ونَابُلْسَ والرَّمْلَةَ وأَرْسوفَ ويافا وبَيْروتَ وقِيسارِيَّةَ وعَكَّا.

 

إضافةً إلَى ذَلِكَ واجَه صلاحُ الدِّينِ الأَيوبِيُّ ريتْشارَدْ الأَوَّلَ (ريتْشارَدْ قَلْبَ الأَسَدِ)، مَلِكَ إنْجِلْتِرا، في الحَرْبِ الصَّليبِيَّةِ الثَّالِثَةِ عامَ 1189م. وكانَ هَدَفُ الصليبيِّينَ مِنْها اسْتِعادَةَ بَيْتِ المَقْدِسِ، ولكنَّهم هُزِمُوا هَزيمَةً كبيرَةً.

وانْتَهَى القتالُ بَيْنَ جيش صلاحِ الدِّينِ الأيوبِيِّ وبَيْنَ الصليبيِّينَ بعَقْدِ صُلحِ الرَّمْلَةِ سنةَ 588هـ (1192م)، فتمَّ الاتِّفاقَ علَى وَقْفِ القِتالِ بَيْنَهم ثلاثَ سنواتٍ، وأَنْ يَحْكُمَ المسلمونَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وتُصْبِحَ أَماكنُ العِبادَةِ المسيحِيَّةِ بأَيْدِي المسيحيِّينَ. وبَعْدَ عامٍ واحِدٍ فَقَطْ من صُلْحِ الرَّمْلَةِ مَرِضَ صلاحُ الدِّينِ الأَيّوبِيُّ بالحُمَّى وتُوُفِّيَ سنةَ 589هـ (1193م) في دِمَشْقَ.

كانَ صَلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبِيُّ نَموذَجًا مِثالِيًّا للأَخْلاقِ الكَريمَةِ والصِّفاتِ الحَميدَةِ. كما كانَ مُتواضِعًا، لطيفًا رَحيمًا، صَبورًا، مُحِبًّا للعِلْمِ والعُلَماء، مُقْبِلاً علَى المَعْرِفَةِ ومَجالِسِ العِلْمِ والأَدَبِ. وعِنْدَما تَمَّ لَهُ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ أَطْلَقَ سَراحَ كُلِّ مَنْ كانَ بِيَدِه من الأَسْرَى الصَّليبيِّينَ.

 

لقَدْ كانَ صَلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبِيُّ بطلاً من أَبْطالِ الجِهادِ الإسْلامِيِّ ضِدّ الصَّليبيِّينَ، ولَمْ يَطْمَعْ طِيلَةَ حياتِهِ في جاهٍ أو مالٍ، بلْ كانَ كثيرَ الصَّدَقاتِ، مُقْبِلاً علَى أَعْمالِ الخَيْرِ.

ولَمَّا تُوُفِّيَ لَمْ يُعْثَرْ في بَيْتِهِ علَى أيِّ مالٍ، بلْ كانَ لا يَمْلِكُ الخَيْلَ الّتي كانَ يَرْكَبُها، ولَمْ يُخلِّفْ دارًا ولا عَقارًا ولا جَواهِرَ.

وقَدْ شارَكَ بِنَفْسِه في حَمْلِ الحِجارَةِ في بِنَاءِ المُدُنِ الإسْلامِيَّةِ بَعْدَ أَنْ فَتَحَها وحَرَّرَها من الحُكْمِ الصَّليبِيِّ، مثل القُدْسِ والرَّمْلَةِ وعَسْقَلانَ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى