نبذة عن حياة “ياقُوتُ الحَمَويّ”
2004 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السادس عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
ياقُوتُ الحَمَويّ شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
ياقُوتُ الحَمَويّ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ياقوتُ بنُ عبدِ اللهِ الرُّوميِّ الحَمْويِّ. أَصْلُهُ مِنْ بِلادِ الرُّوم، ووَقَعَ أَسيراً في أيْدي المسلمينَ وهو صَبيٌّ.
وكانَتِ العبوديَّةُ في ذلكَ الوقتِ نِظاماً سائِداً في المجتمعاتِ الإسلاميَّةِ وغَيْرها، فعُرِضَ للبَيْعِ في بَغْدادَ، فاشْتَراهُ تاجِرٌ من أهلِ بَغدادَ اسْمُهُ عَسْكَرُ بنُ أبي نَصْرٍ بنِ إبراهيمَ الحمويِّ.
وكانَ هَذا التاجرُ مُحْتاجاً إلى كاتِبٍ يُساعِدُهُ في عَمَلِهِ، فَأَدْخَلَ ياقوتاً إلى الكُتَّابِ، فتعلَّمَ فيهِ القِراءَةَ والكِتابَةَ، ولَمَّا كَبُرَ قَليلاً دَرَسَ اللُّغَةَ والأَدَبَ والتّاريخَ.
فشغَّلَهُ سَيِّدُهُ عَسْكَرُ في التِّجارَةِ، فكانَ يُسافِرُ إلى بِلادِ الشّامِ، وإلى جَزيرَةِ (قّيْسٍ) في الخَليجِ العَربيِّ وإلى عُمانَ لِجَلْبِ البَضائِع والمُتاجَرَةِ بِها.
وفي سَنَةِ (596هـ) أَعْتَقَ عَسْكَرُ الحَمويُّ ياقوتاً، فانْفَرَدَ ياقوتُ بِعَمَلِهِ الخاصِّ بهِ، فاشْتَغَلَ في نسخِ الكُتُبِ وبَيْعِها إلى النّاسِ.
لكنَّ سَيِّدَهُ عَطَفَ عليهِ بَعْدَ فَتْرَةٍ وَأعادَهُ إلى العملِ مَعَهُ في التِّجارَةِ، وأَعْطاهُ شيئاً مِنَ المالِ ليُتاجِرَ بهِ فأخذ أولادُه نَصيبَهُم مِنَ المالِ الَّذي كانَ يُتاجِر بِهِ، وأخَذَ لنفسِهِ نَصيباً مِنْهُ، ثُمَّ عادَ إلى التِّجارَةِ من جَديدٍ.
وكانَ ياقوتُ مُحِبّاً للكُتُبِ شّغُوفاً بها، فتوجَّهَ إلى المُتاجَرَةِ بها، وأخَذَ يَتَنَقَّلُ في بِلادِ المسلمينَ، من بَغدادَ إلى دِمَشْقَ ثُمَّ إلى حَلَبَ لبيعِ ما لَدَيهِ مِنْ كُتُبٍ، وشِراءِ غَيْرِها.
وفي إِحدى زياراتِهِ لمدينةِ دمشقَ ناظَرَ بعضَ عُلَمائِها في عَليٍّ بنِ أبي طالبٍ ومَنْزِلَتِهِ، وذكرَ ياقوتُ في مناظرتِهِ عَلِيّاً بِما لا يَجوزُ ذِكْرُهُ، فَغَضِبَ عليهِ المُتَعَصِّبونَ لِعَليٍّ بِن أبي طالبٍ، وثارُوا عليهِ.
فَخَرَجَ من دِمَشْقَ خَوْفاً على نَفْسِهِ، ثُمَّ رَحَلَ إلى حَلَبَ ثُمَّ إلى الموصِلِ، ومِنْها إلى بلادِ خُراسانَ، حيثُ أَمْضى هُناكَ سنواتٍ عَديدَةٍ يتنقلُ في مُدُنِ خُراسانَ مثلِ مدينةِ مَرْوَ وخَوارزمَ يعملُ في التِّجارَةِ ويَلْتَقي بالعُلَماءِ والشُّعَراءِ والأُدَباءِ، يَستفيدُ منهم ويأخُذُ عنهم شَتَّى العُلومِ والمَعارِفِ.
ولكنَّ التَّتارِ في سنة 616هـ هاجَمُوا تلكَ النَّواحي من بلادِ المسلمينَ، وعَاثُوا فيها فَساداً، فَقَتَلوا ونَهَبوا. فَفَرَّ ياقوتُ إلى الموصِلِ، ثُمَّ إلى حلبَ، فاسْتَقَرَّ فيها.
وفي حلبَ نزلَ ياقوتُ فترةً منَ الزمنِ ضَيْفاً على الوزيرِ جمالِ الدينِ عليِّ بنِ يوسفَ القَفْطيِّ، فَأَكْرَمَهُ القفطيُّ تَقْديراً لعلمِهِ ومكانَتِهِ.
ثُمَّ عادَ إلى العملِ في التِّجارَةِ، وخاصَّةً تِجارَةَ الكُتُبِ، إلى أَنْ وافَتْهُ المَنِيَّةُ بسببِ مَرَضٍ أصابَهُ في سَنَة 626هـ. وقبلَ وفاتِهِ أوْصَى بأَنْ تَكونَ كُتُبُهُ وَقْفاً على مَسْجِدِ الزّيديِّ ببغدادَ، لكيْ ينتفِعَ بِها طُلّابُ العِلْمِ.
وكانَ ياقوتُ مُولَعاً بالقِراءَةِ والبَحْثِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وألَّفَ عدَدَاً مِنْ أهمِّ تِلْكَ الكُتُبِ اثْنانِ يُعَدّانِ مِنْ أَنْفَسِ كُتُبِ التُّراثِ العربيِّ، وهُما:
1- كِتابُ إرشادِ الأَريبِ إلى مَعْرِفَةِ الأدَبِ. ولَمْ يَصِلْ إلَيْنا هذا الكِتابُ كامِلاً، وطُبِعَ الموجودُ من أجْزائِهِ بتحقيقِ ومُراجَعَةِ المُسْتَشْرِقِ مَرْجِليوثَ.
2- كِتابُ مُعْجَمِ البُلْدانِ. وهو مُعْجَمٌ جُغرافيٌّ يشتَمِلُ على ذِكْرِ أسماءِ البلدانِ والجِبالِ والمُدُنِ والقُرى، ولكنَّ مُؤَلِّفَهُ لَمْ يَكْتَفِ بالتَّعريفِ بالمواضِعِ الّتي ذَكَرَها، بَلْ كانَ يُعطي وَصْفاً دَقيقاً لِأَغْلَبِ تِلْكَ المَواضِعِ وأَهَمِّ بلدانِها.
باختصارٍ، وتعريفاً عن تاريخِ كُلِّ بَلَدٍ يذكُرُهُ، ولذا فإنَّ هّذا الكِتابَ لَيْسَ مُعجَماً جُغْرافِيّاً فَحَسْبُ، بَلْ يُعَدُّ مَرجِعاً مُهِمّاً في التَّاريخِ والسِّيَرِ والأَدَبِ، واللُّغَةِ، لا يَسْتَغُي عَنْهُ المُهْتَمّونَ بتاريخِ التُّراثِ العربيِّ. ونُشِرَ هَذا الكِتابُ عِدَّةَ مَرّاتٍ في سَبْعَةٍ أَجْزاء.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]