نظرية لانجموير للتوفيق بين رأيي “بور ولويس” حول الذرة
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
نظرية لانجموير الذرة بور ولويس الكيمياء
بدأ عالمنا مباحثه العلمية في دارٍ تابعةٍ لشركة صناعية، وكان غرضه الأول إيجاد طريقة يمنع بها تكسر سلك التنجستن. إلا أن التنيجة التي وصل إليها لم تكن إلا فرعاً للمباحث النظرية التي كانت تسترعي كل اهتمامه.
ففي خلال المباحث النظرية في الغازات كان لانجموير مهتما كل الاهتمام بما يقال عن بنية الذرة. وكان يساير التقدم الحادث في هذا المجال بدقة وعناية، بل إنه يحسب أن تاج مباحثه جميعاً هي نظريته في بنية الذرة التي نسجها من خيوط معارفه الكيميائية والطبيعية العميقة والشاملة.
كانت طبيعة بنية الذرة مجهولة في ذلك العهد، وكانت طائفة من العلماء قد حاولت انتزاع هذا السر من صدر الطبيعة ولكنها باءت بالفشل. كان لورد كلفن – بعد اكتشاف الإلكترون-قد تصوَّر الذرة عدداً من الإلكترونات المتحركة في كرة من الفضاء المكهرب كهرباء موجبة.
وجرى طومسون على الفكرة ذاتها، فحسبها تدور في دوائر متمركزة حول النواة، ثم تلا ذلك رأي رذرفورد في أن الذرة كالنظام الشمسي، فالنواة في المركز هي بمثابة الشمس والإلكترونات من حولها تدور كالكواكب السيارة في أفلاكٍ إهليلجية. ولم يلبث العلماء أن صدّوا عن ذلك كله.
ولكن عندما أخفق كل من كلفن وطومسون ورذرفورد في استنباط صورة للذرة تفي بما هو مطلوب، نجح في ذلك فتىً دانماركي يقال له بور، تلميذ كل من طومسون في كيمبردج ورذرفورد في مانشستر.
ففي عام 1913 نشر مقالة مهمة في المجلة الفلسفية عنوانها (بناء الذرات والجزئيات)، خرج فيها على النظام العلمي القديم، وسلَّم بمذهب بلانك بأن الطاقة ذرية البناء مثلها في ذلك مثل المادة (نظرية الكم)، ورسم للذرة صورة تجمع بين صورة رذرفورد ومبدأ بلانك.
قال: (إن ذرة الهيدروجين مثلاً ما هي إلا إلكترون واحد يدور حول نواة في فلك أهليلجي، فإذا أقلق هذا الإلكترون في أثناء دورانه بفعل قوة خارجية كأشعة المهبط أو أشعة إكس أو الحرارة العالية – قفز من فلكه إلى فلكٍ أقرب إلى النواة.
وفي أثناء قفزه تشع الذرة قدراً من الطاقة يسيراً. فكل ذرة في حالة استقرار لا يبدو منها ما يُبيِّن وجودها، ولكن بزوال حالة الاستقرار تقفز الإلكترونات من أفلاكها فتشع).
وقد شبَّه الدكتور رامزي هذه الصورة، في بلاغة، على النحو التالي: لنفرض أننا خارج ملعب رياضي، وأن منطقة العدو حول الملعب مقسَّمة إلى مسالك أربعة، وأن بين المسلك والآخر حول الملعب حاجزاً خشبياً عالياً.
ثم لنفرض أننا وضعنا جواداً في المسلك الخارجي، وأطلقنا له العنان فجعل يعدو، ولكننا لا نراه لأنه بين حاجزين، ثم نراه فجأة وقد قفز فوق الحاجز إلى المسلك الثالث وعدا فيه، ثم قفز إلى المسلك الثاني وعدا فيه، ثم قفز إلى المسلك الأول وعدا فيه. فنحن لا نراه إلا قافزاً فوق الحاجز الخشبي. وكل قفزة تمثل في الذرة قفزة إلكترون من فلكٍ إلى فلك مشعاً قدراً يسيراً من الطاقة.
بهذه الصورة لذرة الهيدروجين علَّل بور الظواهر الغريبة التي كانت مستترة عن أفهام العلماء، وأيده في ذلك الباحثون، فنال الجزاء عن ذلك وهو جائزة نوبل في الفيزيقا عام 1922.
وفي أمريكا كان هناك عالم متوقد الذهن واسع الاطلاع، وهو لويس، ولد في ماستشوستس ودرس في جامعات نبراسكا وهارفرد وليبتزج وجوتنجن.
وقد تصوَّر هذا العالم عام 1902 – أي قبل أن يخرج طومسون صورة الذرة التي رسم فيها الإلكترونات حلقات متمركزة حول النواة – أن الذرة شكلٌ مكعب!. وقد وضع في عام 1916 رسالة تُحسب الآن أساساً لبناء الذرة المستقر الذي توسَّع فيه لانجموير وعدَّله من بعد.
قال لويس: في كل ذرة نواة لا تتغير، وحول هذه النواة مكعبات تحتوي على عددٍ متباينٍ من الإلكترونات في أماكن معينة. وكل ذرَّة تميل على أن يكون لها إلكترون واحد على كل زاوية من مكعبها. والذي حمل لويس على اقتراح هذه الصورة لبنية الذرة معارفه الواسعة في كلٍ من الألفة الكيميائية والبناء البلوري.
ولكن هناك تناقضٌ عظيمٌ بين الصورتين: التي رسمها بور للذرة وتلك التي رسمها لويس. فضلاً عن أن علماء الكيمياء لم يروا في أي منهما ما يكفي لتعليل الظواهر التي يعالجونها هم مثل الألفة الكيميائية والكفاءة الكيميائية وغيرهما.
ولما انقضت الحرب العالمية الأولى وضع لانجموير نظرية جديدة، وفَّق فيها بين الصورتين أو الرأيين.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]