هيوستن، لديك مشكلة
2014 لنسامح التصميم
هنري بيتروكسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة
تفشل جميع الأشياء، وبالأخص النظم التي يتفاعل فيها الناس مع الأشياء، لأنها منتجات لمساعِ بشرية، ما يعني أنها معابة، بالطبيعة وبالضرورة وفي بعض الأحيان بالسمعة السيئة. بعض العيوب الفنية قد تكون غير ضارة، كالأخطاء الشخصية في الأفراد الذين يقدمونها؛ وكما اعتدنا على إهمال العادات المزعجة والتشنّجات اللاإرادية والخصال للأشخاص الذين اعتدنا عليهم وارتحنا لهم، كذلك نميل إلى إهمال خصائص الأجزاء والنظم التكنولوجية التي نعمل ضمنها ونعتمد عليها، ولعلمنا أنه لا يوجد شيء مثالي، فنحن لا نتوقّع المثالية من تكنولوجيتنا، لذا نغضّ النظر عن الصمام العصيّ أو مفتاح الكهرباء العنيد، بإعطائه فرصة ثانية لأداء وظيفته [بشكل سليم]. وعندما يحدث ذلك، نميل في المرة التالية عندما يستعصي أو يضطرب أن نعطية فرصة ثالثة ورابعة. وفي النهاية فعلى الرغم من توقعاتنا ألّا يعمل في المحاولة الأولى والثانية والثالثة، وحتى الرابعة، فإننا نحاول مرات أخرى كذلك، ونعتبر هكذا سلوك جزءاً من خصائص الأشياء الميكانيكية أو الكهربائية، نتقبلها بشكل ايجابي كما نتقبل نوبات الغضب والنواقص في شخص أصبح صديقاً عزيزاً، أو على الأقل في وجه مألوف لنا، وهكذا كان الأمر في حالة عيوب حلقات – O والرغوة العازلة على المركبات الفضائية، فعيوبها أصبحت جزءاً من خصائصها.
قليلة هي حالات الفشل الكارثية أصبحت شائعة في حدوثها وبطيئة في وقعها كانفجار المركبة الفضائية تشالنجر بعد ثلاثة وسبعون ثانية فقط في رحلتها في كانون ثاني/ يناير 1986، وكان الإقلاع متوقّعاً بشكل واسع، والسبب الأكبر في ذلك أنه كان ضمن طاقم المركبة أول مُدرِّسة تنطلق إلى الفضاء، ومن مدار [المركبة] تمّ التخطيط لتقوم كريستا ماك أُولف (Christa McAuliffe) بإذاعة دروس لأطفال المدارس في صفوف في عموم أميركا، وفي أعقاب الحادث، أُعيد عرض شريط الفيديو للبعثة الفاشلة على التلفزيون مرات ومرات، وأُعطي اهتمام متزايد لما ظهر في البداية وكأنه تسرّب صغير غير ذي صلة منبعثٍ من أحد مفاصل الصاروخ المعزِّز (Booster Rocket)، وكما علمنا بعدئذٍ، فإن نفث الغاز الساخن أضعف الحاصرات (Brackets) المؤمِّنة لخزان الوقود الخارجي، الذي انفصل بدوره عن المركبة الأصلية وسبّب الدمار الذي انتهى بالانفجار. وقد عُزِي تسرّب الغاز لسداد عاطل لحلقة -O، وهو تفصيل تصميمي تعرّف عليه المهندسون سابقاً باعتباره حلقة ضعيفة في النظام بعد ملاحظة تآكل الحلقات الأشبه بالمطاطية بعد القيام برحلات سابقة. وبالفعل، فقد اعتُقِد أن الجو البارد فاقم حالة التسرّب، ولأنه كان يُظن أن صباح إطلاق المركبة تشالنجر المخطّط سيكون بارداً بشكل غير اعتيادي، فقد أوصى المهندسون بعدم الاستمرار [في عملية الإطلاق]. كل هذا أصبح الآن معروفاً، وكذلك حقيقة أن المدراء المسؤولين عن إعطاء أمر الأطلاق قد قاموا بذلك فعلاً [على الرغم من معرفتهم برأي المهندسين]. وبحسب ريتشارد فينمان (Richard Feynman)، في كتابته ملحقاً لتقرير الهيئة الرئاسية المكلفة بالتحقيق بالحادث، "حلقات -O لمعززات الصاروخ الصلبة لم تكن مصممة لتتآكل. التآكل كان إشارة أن شيئاً كان خطأً". وبحسب فينمان، فالفشل قد سبق الكارثة.
أجرت الهيئة الرئاسية تحقيقها خلال ثلاثة أشهر، والشهادات التي أخذت خلال ذلك الوقت ملأت 15000 صفحة. وتم سماع الشهادات في جلسات مغلقة ومفتوحة، والأخيرة تم عرضها تلفزيونياً. ومن بين الأمور البارزة لهذه الاجتماعات تجربة سطح الطاولة التي أجراها فينمان الذي غطَّس حلقة -O صغيرة في قدح ماء مثلّج على الطاولة التي أمامه، ولما أخرج القطعة المبردة من القدح وفك المشبك الذي كان ممسكاً [بالحلقة] على شكل عظمة الكلب، لم تستعد الحلقة في الحال شكلها الدائري الأصلي، مما يدل على أنها فقدت بعضاً من مرونتها. وكذلك، فحلقة -O باردة جالسة بشكل غير سليم في مفصل معزّز الصاروخ قد لا تستطيع سدّه بشكل صحيح. لقد اعتبر العرض المقنع لفينمان وتبريراته في ما يخص حكمة إنذار المهندسين وتهوّر المدراء في إهماله وذلك بإعطاء الأمر بالإطلاق، كانت صورةً للمعاناة ولحظةً باقية في التحقيق عن الفشل، وشهادته تضمنها فعلاً استنتاج الهيئة بأن "قرار إطلاق تشالنجر كان خاطئاً".
بالطبع، فقد كان تصميم سداد حلقة -O نفسه خاطئاً، ولكن المهندسين، مع أخذ محدداته بالاعتبار، شعروا أنهم مرتاحونّ بالاعتماد عليه في حالات درجات حرارة عالية. فلو أُخذت تحذيراتهم حول الإطلاق في الجو البارد جداً بعين الاعتبار، لربما لم تكن للحادثة أن تقع. وفي النهاية، وُضِع اللوم على الهيكل الإداري والثقافة المؤسسية لكل من ناسا وشركة مورتن تيوكول (Morton Thiokol)، المصنّعة لمعزّز الصواريخ، وقد وجدت لجنة من الكونغرس أيضاً – التي عقدت جلسات خاصة لسماع الشهادات حول الحادث – بأن المشكلة الفنية في حلقات -O قد شُخِّصت في وقت كان يمكن فيه إيقاف الإطلاق، ولكن "أُعطي الالتزام بجداول الرحلة الزمنية وتقليص الكلفة أسبقية على سلامة الرحلة".
كان يجب أن ينتج من التركة التي خلفها انفجار تشالنجر تعاوناً واحتراماً أكبر للشراكة بين المهندسين والمدراء، ليس فقط لدى ناسا ومقاوليها ولكن أيضاً في جميع المؤسسات التكنولوجية، ومع الأسف، فقد طغى ما يبدو ضعفاً أساسياً في الطبيعة البشرية في نهاية الأمر، وبعد فجوة اثنين وثلاثين شهراً، استؤنفت مهمات المركبة، ظاهرياً مع تحسينات في التصميم والممارسات الإدارية. تبع ذلك سبع وثمانون مهمة ناجحة، ولكن عند إطلاق [المركبة] كولومبيا في كانون ثاني/ يناير 2003 انفصلت قطعة من المادة الرغوية العازلة من مستودع الوقود الخارجي وارتطمت بالحافة الأمامية للجناح الأيسر من المركبة، مما أثّر في المساحة المصممة لحماية الهيكل ضد الحرارة المفرطة عند الدخول مجدداً [إلى جو الأرض]، وأبدى المهندسون قلقهم حول الضرر الذي قد حدث؛ وبينما استمرت المهمة فقد تمّ القيام بتجارب ارتجالية لمحاكاة ارتطام المادة الرغوية بالجناح. وبالرغم من إلحاج المهندسين على التقاط صور تفصيلية عن بُعد أو قيام طاقم المركبة بفحص الضرر، وفي مواجهة القلق المتداعي والتشكيك في حكمة السماح للمركبة في العودة للدخول في الغلاف الجوي في هذه الحالة المتضررة، قلّل المدراء من آثار ارتطام المادة الرغوية [للجناح] وسمحوا للمركبة كولومبيا بالعودة للدخول إلى الغلاف الجوي، وتبيّن بعد ذلك مباشرة بأن متانة الدرع الحراري للمركبة قد انتُقصت، وأن الغازات الحارة قد وجدت طريقها للداخل الهيكلي للجناح، والصور التي التقطت لتفتّت المركبة فوق تكساس وفّرت بيانات محزنة للقيام بتحقيق آخر، وكذلك فرصةً أخرى لتجميع دروس للتعلّم، برهنت أنها مشابهة بشكل كبير للدروس التي كان من المفروض تعلمها من بعد كارثة تشالنجر. وبحسب تقرير مجلس كولومبيا للتحقيق في الحادث، "إن اللوم في هذا الحادث يقع على الثقافة المؤسسية لناسا قدر لوم المادة الرغوية". وبعد سنتين من صدور هذا التقرير، صرّح سبعة أعضاء من مجموعة الخمسة والعشرين التي كانت تراقب جهود ناسا لتحسين سلامة المركبة، بأن على المدراء ومسؤولي الوكالة أن يوقفوا "العجرفة ويستعيضوا عنها بالمعرفة".
بعد سنتين ونصف من كارثة كولومبيا استؤنفت رحلات المركبة الفضائية مرة أخرى، وكان في إمكان البرنامج أن يستمر بأمان لباقي الرحلات المجدولة، لكن التعلّم من الدروس ذات الأثر الطويل من فشل تشالنجر وكولومبيا لا يقتصر فقط على ناسا والمؤسسات المؤازرة لها. ففي كل حالة يتعامل المدراء – وخاصة أولئك الذين ليس لديهم خلفية فنية – مع مهندسين، هناك إمكانية علاقة مختلّة، وعندما يحصل خطأ في بيئة كهذه، فأوّل غريزة عادةً هو لوم المهندسين وتصاميمهم، ولكن بعد الاستقصاء الأبعد، يتبيّن أن السبب الجذري للفشل هو أشدّ مكراً وتعقيداً من جزء ميكانيكي لاصق، أو مفتاح كهربائي معطّل، أو تفصيل تصميمي خاطئ. إذ يتضمّن عادة صراعات بين مهندسين متحسّسين من المخاطرة وإدارييين متساهلين معها. تسرّب النفط في خليج المكسيك عام 2010 – هو في الحقيقة سلسلة من الأحداث المأساوية وحالات الفشل المتتابعة، مأساة الأخطاء – هي في الواقع حالة دراسية أكثر حداثة لكنها أصبحت حالة كلاسيكية كُتب عنها بشكل واسع خلال ما بدى زمناً من دون نهاية لها عند حدوثها.
حملت عدة أعداد من جريدة النيويورك تايمز، إن لم يكن معظم أعدادها، خلال الربيع الماضي وأوائل صيف 2010 قصصاً ملأت صفحتين وثلاث وأربع صفحات حملت جميعها العنوان "التسرّب في الخليج". وكنموذج لذلك في أحد الأيام، تتابع إحدى هذه القصص على الأقل، من عنوان بارز من الصفحة الأولى للجريدة، وبدأت تظهر خلال أسابيع من الحادث خرائط تبيّن تركّز البقعة الزيتية وتوقّعات تحركها. وبعد شهر تقريباً، بدأت تظهر خرائط جوية تبيّن نتائج آخر المسوحات والتوقّعات اليومية إلى أين سيصل الزيت [المتسرّب] تضاف [أي القصص] في إطار من الجريدة معنون بـ"آخر [الأخبار] عن تسرّب الزيت"، تلخّص الموقف وتُبرز التطورات في المعالجة. وفي حزيران/ يونيو، بعد ستة أسابيع من الإعلان الانفجاري عن الفشل، ظهر عنوان في الإطار المخصّص الذي يستعرض الحالة "اليوم 42: آخر الأخبار عن تسرّب الزيت"، مما يؤكّد إقرار الجريدة بأن الأمر سيستمرّ لوقت طويل، وأن التايمز ستقوم بحساب الأيام وتستمر بتوفير خلاصات عن التطورات المهمة عن المحاولات لسدّ فوهة البئر المتفجّر، والجهود المبذولة لاحتواء التسرّب، وتقدّم العمل في التنظيف، والتداعيات البيئية والسياسية.
تابعت شبكات التلفزيون، أيضاً، وبشكل قريب، التطوّرات في الخليج. فعلى السي. إن. إن (C.N.N)، استضاف أندرسون كوبر (Anderson Cooper)، ما بدا برنامجاً كل ليلة، حول التسرّب، يُبثّ أحياناً من ساحل الخليج، كما فعل العديد من قنوات الأخبار. فالفشل التكنولوجي الذي أربك في نهاية الأمر المدراء والبيروقراطيين والسياسيين والنقّاد على مواقع الإنترنت كان بشكل واضح أخباراً لمشارب الجماهير كافة. وحملت النشرة المتخصصة إنجنيرنغ نيوز– ركوردENR (Engineering News – Record) ، وهي المجلة الأسبوعية لصناعة الإنشاءات، قصصاً تؤكّد الجوانب الفنية والصناعية والتنظيمية للتسرب، ولمجلة ENR تقليد طويل وثري، يعود إلى القرن التاسع عشر، في الاهتمام بحالات الفشل، وبالأخص بالنسبة للهياكل والأنظمة الضخمة. وفي بداية حزيران/ يونيو 2010، عندما كان تسرب الزيت يحدث عند 5000 قدم تحت سطح الخليج وكان مستمراً لحوالي ستة أسابيع – وعندما كان الصبر وتوتّر الأعصاب قد قارب إلى النفاذ، وخاصة على امتداد ساحل الخليج وفي عاصمة الأمة – استنتجت كلمة تحرير ENR التي كانت بعنوان "كارثة الخليج في تسرّب الزيت هي عارٍ هندسي" بنوع من الملاحظة التهديدية بأن "سيظلّ خليج المكسيك يذكر بأنه المكان الذي هبطت فيه هيبة [برستيج] الهندسة إلى مستوى منخفض جديد في عصر معروف بالحوادث قدر ما هو معروف بالتقدّم".
كان القرّاء سريعين دوماً في ردود الفعل لقصص ENR، التي كانت تقوم في بعض الأحيان بعرض توضيحات مسبقة لحالات الفشل التي نشرت في العدد السابق من المجلة، ووصل عدد كبير من الرسائل بالنسبة للافتتاحية حول تسرّب الزيت. سمّاها أحدهم "إهانة واعتداء على المهنة الهندسية" وطالب بالتراجع. واتهم قارئ آخر المجلة بأنها تأخذ موقفاً بأن "اللوم يُوضع على المهندسين في كل شيء"، وأورد أمثلة مُغرقة لمستخدمين يضعون اللوم على المهندسين لفشلهم في تصميم مقلاة لا ينكسر فيها صفار البيض، أو طرق لا تحدث فيها نُقر أبداً، وفيما عدا استعمال هذه القصص كأمثلة غير واقعية، فالمنتجات المثالية لا يمكن أن تأتي من خلال عملية التصميم والتصنيع والإنشاءن وفي الواقع، إن تصاميم مقلاة، أو طريق، أو منصة نفطية بحرية هي عمليات معقّدة ليس فقط بسبب قوانين الطبيعة ومحدّدات المواد والعمليات، بل كذلك بسبب تفاعل المهندسين مع آخرين في مكتب أو مصنع أو شركة أو وكالة حكومية. رسالة أخرى للمحرّر عبّرت بالشكل التالي: "نادراً ما يُعترف أنه عندما تتدخّل الإدارة – الأُميّة تكنولوجياً – وتغيّر في التصميم، عليها أن تتحمل النتائج". ورأى القارئ أن "لا فرق في السيناريو بين الذي حصل في الخليج وعدد كبير آخر من كوارث هندسية مهمة، كمهزلتي تشالنجر وكولومبيا".
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]