وجه الشبه بين الشاعر جوتة والعالم نيوتن
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
الشاعر جوتة العالم نيوتن التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
ما العلاقة؟! الأول شاعرٌ فحل له في الأدب الألماني ما لشكسبير من منزلة في الأدب الإنجليزي، والآخر جهبذ يعز مثيله في تاريخ العلوم.
الأمر يحتاج تفصيلاً…
هم كُثرٌ أولئك الذين يعرفون جوتة شاعراً فحلاً، ولكن القليل من هؤلاء هم الذين يعرفونه سياسياً مرموقاً ورجل دولة من طرازٍ رفيع، وأقلهم هم الذين يعرفونه مشتغلاً بالعلوم الطبيعية!.
ومع أن جوتة كان شاعراً ضخماً وأديباً كبيراً ومفكراً عملاقاً في تاريخ أوروبا كلها، إلا أنه كان وبنفس الدرجة، عالماً فاشلاً بالمعنى الفيزيقي للكلمة.
ولو كان هو بيننا الآن وسمع هذا الحكم من أساطين علم الفيزيقا لاستشاط غضباً، إذ أنه كان يعتبر كتابه (نظرية الألوان) أهم انجاز له ظل يفاخر به طيلة حياته!.
كتب مرة يقول: (أما فيما يتعلق بما أنجزته كشاعر فإنني لا أفاخر به على الإطلاق.. ثمة شعراءُ ممتازون عاشوا معي في نفس العصر، وثمة شعراء أكثر امتيازاً عاشوا قبلي، وثمة آخرون سيأتون بعدي. ولكن في القرن الذي أعيش فيه أجد أنني الإنسان الوحيد الذي يعرف الحقيقة في علم الألوان وعالمها، لذا تجدني أحس بفخرٍ غير قليل!).
وهذا الادعاء، من شاعرٍ كبيرٍ مثل جوتة، ربما يُذكرنا بكلمة مشابهة لنيوتن، حيث قال : (إن قوانين الحركة التي اكتشفتها غير ذات بال، بيد أن الترتيب الزمني الذي وضعته لأحداث الإنجيل هو الذي يُخلِّد ذِكري!).
والحق أننا اليوم لا نذكر جوتة بكتابه في الألوان، ولا نيوتن بترتيبه لأحداث الإنجيل، وربما كان ذلك هو الشيء الوحيد الذي يجمع بين جوتة ونيوتن… ادعاءٌ في غير موضعه.
والأحق أن سر مأساة جوتة، فيما يتعلق بنظرته للعلوم الطبيعية، يكمن في كراهيته لنيوتن ولكل ما اكتشف!
ولم يخف جوتة هذا الاستخفاف بواحد من أكبر العلماء الذين عرفتهم البشرية في تاريخها وأخصبهم لا في كتابه (نظرية الألوان) ولا في شعره ومسرحيته (فاوست)
وفي هذا يكمن أحد التناقضات الأساسية في فكر جوتة. فبينما هو يعتبر العلوم الطبيعية كما انتهت إليه في القرن الثامن عشر خراباً ودماراً، فإنه مع ذلك يلجأ إلى التجريب في البصريات مهاجماً به نظرية نيوتن في تحليل الضوء في محاولة منه غير موفقة للقضاء تماما على نيوتن!!.
نيوتن… واستقلال أمريكا!
مرة أخرى: ما العلاقة؟…
لقد عاش جوتة بعد نيوتن في القرن الثامن عشر. ولا شك أن نيوتن، بما توصَّل إليه من القوانين الأساسية للحركة وقانون الجذب العام، يكون قد قدَّم ما يُعرف اليوم بـ(التصور الميكانيكي للكون) .
وهو تصور لم يترك بصماته على العلوم الطبيعية الأخرى فحسب، وإنما تركها أيضا على مناحٍ عديدة من المعارف والنشاطات الإنسانية في الاقتصاد والسياسة والفلسفة والأدب والفكر المسيحي، بل يذهب الكثيرون إلى القول بأن بيان إعلان استقلال الولايات المتحدة كان شديد التأثر بالنظرة النيوتونية للكون!!.
وقد ظل العلماء على ولاءٍ للنظام النيوتوني طوال قرون ثلاثة: السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، ولم يظهر تحدٍ حقيقي لهذا النظام إلا في أوائل القرن العشرين على يد آينشتاين عندما خرج على العالم بنسبيته الخاصة في عام 1905.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]