وسائل ربط الخلايا ببعضها البعض
2013 آلات الحياة
د.ديفيد س. جودسل
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
وسائل ربط الخلايا ببعضها البعض البيولوجيا وعلوم الحياة
تتعامل خلايانا مع مشاكل تركيبية أكثر تحدياً من تلك التي تواجهها الكائنات الصغيرة وحيدة الخلية.
فلبناء كائن كبير الحجم مثل الإنسان، فإنه لابد من استخدام طرق جزيئية مفصلة لتدعيم وتعزيز وربط الخلايا مع بعضها.
حيث يتم تقوية وتشكيل جسم الإنسان عند مستويات متعددة: بدايةً من التدعيم الداخلي القوي للخلايا، وإيجاد طرق لربط الخلايا المجاورة بعضها إلى بعض، وإنتهاءً باستخدام أغشية قوية ووصلات لإحاطة صفوف الخلايا وتنظيمهما في صورة أنسجة، وأعضاء، ثم أجسام كاملة.
تمتلىء كل خلية من خلايانا "بهيكل خلوي" (Cyto–skeleton) يقوم بنفس وظيفة الهيكل العظمي بأجسامنا: فهو يدعم الخلية ويمدها بسقالة للحركة.
ويتكون الهيكل الخلوي من شعيرات بروتينية، تسمح بتآلف نادر بين القوة وتعدد الإستعمال. وتتركب هذه الشعيرات من العديد من تحت الوحدات البروتينية المرتبة في صورة خيوط حلزونية طويلة.
وعند تجمعها سوياً، فإنه من الممكن استخدام هذه الشعيرات في أداء أكثر المهام مشقةً في الخلية، وفي نفس الوقت فيمكن لها أن تتفكك وتتجمع مرةً ثانيةً في مكان آخر لمواجهة الإحتياجات المتغيرة بالخلية.
يعد الأكتين (Actin) أصغر الشعيرات المكونة للهيكل الخلوي، ولكنه أحد أكثر البروتينات تواجداً في الخلية، حيث يمثل 5% من جملة البروتينات بالخلية.
وتتشابك شعيرات الأكتين في الخلية، مكونةً لشبكة معقدة تمتد لتملأ وتدعم السيتوبلازم، ويتم تقوية هذه الشبكة بواسطة مجموعة من البروتينات التي تربط شعيرات الأكتين. وفي أغلب الحالات، فإن هذه الشبكة لا تكون ساكنة. على سبيل المثال، تلعب شعيرات الأكتين دوراً هاماً في زحف الخلايا.
حيث يتم بناء هذه الشعيرات وحدة بنائية تلو الأخرى وذلك عند سطح الخلية، مما يؤدي إلى ظهور "أقدام كاذبة" (Pseudopods) للخلية يمكنها الزحف على الأرض.
ولكن، وعند الضـرورة، فإن شعيرات الأكتين تتجمع لتكون عوارض قوية ودائمة. وعلى سبيل المثال، يتم استخدام تجمعات الأكتين في تدعيم تكوين "زوائد شبيهة بالأصابع" للخلايا المبطنة للجهاز الهضمي.
كما أن حزماً ضخمة من الأكتين يتم استخدامها كجزء من المحرك الذي يعمل على انقباض العضلات (سوف يتم شرح ذلك فيما بعد في هذا الفصل).
هناك نوعان من شعيرات أكبر تساعد الأكتين في قيامه بوظيفته في الهيكل الخلوي وهما: الشعيرات المتوسطة (Inter–mediate Filaments) والأنابيب الدقيقة (Microtubules) . الشعيرات التوسطة أكثر ثباتاً من الأكتين. حيث أنها تتكون من وحدات بنائية بروتينية متشابكة، ولذا فهي تقاوم التفكك.
ويتم نسج الشعيرات المتوسطة خلال شبكة الأكتين وهذا يعمل على تقوية الشبكة، كما توجد شعيرات مشابهة من البروتين "الصفائحي" (Lamin) تبطن الغشاء الداخلي للنواة.
وتلعب الشعيرات المتوسطة أدواراً متخصصة أيضاً في خلايا الجلد والشعر، والتي تتكون بدرجة كبيرة من شعيرات مشابهة تُسمى كيراتين (Keratins). وتلتصق هذه الشعيرات مع بعضها البعض بواسطة روابط كيميائية لتكون بعضاً من أكثر الألياف صلابةً في أجسامنا.
من ناحية أخرى، فإن الأنانيب الدقيقة تعمل كتركيبات مؤقتة مثل الأكتين، بحيث يتم بناؤها عند الحاجة إليها ثم تتفكك بعد ذلك بفترة بسيطة.
وهي تعمل مثل السكك الحديدية بالخلية. حيث يوجد بالخلية نوعان من "المحركات البروتينية " (Motor Proteins) وهما الكينسنس (Kinesins) و الدايننس (Dyneins) واللذان يعملان على سحب حمولة الجزيئات على امتداد الأنابيب الدقيقة ليقوما بتوصيل الجزيئات خلال الخلية.
ففي الخلايا العصبية (كما سيتم وصفه لاحقاً)، تعمل الأنابيب الدقيقة على إمداد المحاور العصبية (Axons) الطويلة والنحيلة بالمتانة اللازمة لتدعيمها وتوصيل المواد خلال أطوالها المدهشة.
وفي خلايا الحيوانات المنوية، فإن الدايننس تحرك الأنابيب الدقيقة بحركات انزلاقية جنباً إلى جنب لتوفر الطاقة اللازمة لقيام الحيوانات المنوية بالسباحة حتى تصل إلى البويضة.
كذلك تعمل الأنابيب الدقيقة على تكوين نظام جميل يأخذ شكل سكك حديدية نجمية ليفصل الكروموسومات عن بعضها عند انقسام الخلية.
معظم خلايانا ليست بحاجة لأن تزحف داخل أجسامنا. فهي تظل ثابتة في الأنسجة والأعضاء، لتقوم بأداء وظائفها مع جاراتها. وهناك مجموعة متنوعة من الجزيئات الموصلة التي تعمل على ربط الخلايا مع بعضها والسماح لها بالتواصل.
على سبيل المثال، فإن حزماً من بروتينات الكادهيرن (Cadherin) تمتد بين الخلايا المجاورة لبعضها وتكون منطقة اتصال قوية تعمل على لصق الخلايا مع بعضها البعض (شكل 2.6).
شكل 2.6 الوصلات الخلوية: توضح الصورة نوعين من الوصلات بين الخلايا . فعلى يسار الصورة، يظهر العديد من جزيئات الكادهيرن (Cadherin) (باللون الأخضر) في الفراغ بين غشائي خليتين لكي يكون منطقة اتصال قوية بينهما.
وبداخل الخلية، فإن كل جزيء من الكادهيرن يكون مرتبطاً بالهيكل الخلوي بواسطة بروتينات وسيطة صغيرة الحجم.
وعلى يمين الصورة، توجد حزمة من البروتينات السداسية (باللون الأخضر) والتي تكون أنبوبة في حجم الجزىء تعمل على ربط الخليتين المتجاورتين في منطقة الاتصال الموجودة فيما بينهما من فراغ (قوة التكبير: مليون مرة).
وتمتد هذه البروتينات أيضاً إلى داخل الخلية، لترتبط بشعيرات الأكتين بداخلها. وبهذه الطريقة فإن منطقة الاتصال تعمل على ربط الهيكل الخلوي لخليتين مع بعضهما البعض وذلك يقوي الأنسجة بكاملها.
تعد هذه الأنواع من وسائل ربط الخلايا ببعضها البعض مناسبة تماماً للمناطق صغيرة الحجم من النسيج، ولكننا نحتاج إلى مواد أكثر قوة لبناء تركيبات أكبر مثل العضلات والأعضاء. ويتم بناء هذه التركيبات خارج الخلايا بحيث تحيط بها وتدعمها.
وهي تظهر في أشكال فيزيائية مختلفة، تتراوح من الألياف المرنة إلى مواد شديدة الصلابة مثل الخرسانة التي تبقى لعدة قرون.
وبعض الأنسجة، مثل أنسجة الغضاريف والعظام، تتركب بشكل أساسي من هذه المواد التركيبية، مع وجود بعض الخلايا المتناثرة والتي تعمل كراعية للنسيج.
ولكن الأنسجة الأخرى، مثل أنسجة الخلايا العصبية المعبأة بكثافة في الدماغ، يكون لديها من هذه التركيبات ما يكفي فقط لربط الخلايا مع بعضها البعض.
يتم بناء الوحدات البنائية لهذه المواد الخارجية داخل الخلايا، ثم يتم إفرازها خارج الخلية لتتجمع وهي في ذلك المكان.
والمركب الأكبر الذي يدخل في تكوين هذه المواد هو الكولاجين (Collagen)- وهو شائع لدرجة أن رُبع كمية البروتين تقريباً في أجسامنا هي من الكولاجين.
وللكولاجين صور عديدة، ولكن جميعها يحتوي على جزء محوري مكون من ثلاث سلاسل بروتينية شديدة الارتباط ببعضها البعض وتلتف حول بعضها مثل الخيوط في الحبل.
ويتم بناء أنواع عديدة من الكولاجين لأداء وظائف مختلفة. فأحد أنواعها يكون في صورة سلسلة طويلة ليس لها ملامح مميزة وترتبط جنباً إلى جنب مع غيرها من السلاسل لتكون ليفيّات (Fibrils) كولاجين كبيرة الحجم نسبياً والتي تعمل على إمداد المواد الخارجية المدعمة للأنسجة بمعظم ما لديها من تماسك وقوة.
وهناك أنواع أخرى من الكولاجين تحتوي على تركيبات متخصصة ترتبط عند كل نهاية من السلسلة، وذلك يسمح بتكوين تركيبات تشبه الشبكات.
ثم يتم بعد ذلك غزل هذه الشبكات بواسطة جزيئات بروتين وسكريات العديدة لتكوين صفيحة قاعدية متينة تحيط بالخلايا وتكسبها شكلاً (شكل 3.6)، ويعمل نوع آخر من الكولاجين على حياكة ليفيّات الكولاجين مع الصفيحة القاعدية.
شكل 3.6 المادة خارج الخلية: تتكون المادة خارج الخلية من شبكة معقدة من البروتينات والسكريّات. وتوضح الصورة قطاعا عرضياً في خلية (في أقصى اليسار)، وفيه نرى صفيحة قاعدية (Basal Lamina) كثيفة على يمين الغشاء الخلوي، وليفية من الكولاجين تحتل أغلب الجزء المتبقي من الصورة.
وتتركب الصفيحة القاعدية من جزيئات مثل الكولاجين (A) والبروتينات الصفائحية العرضية (B).
ويوجد كذلك بروتينات رابطة تسمي «أنتجرن» (Integrin) (C) في غشاء الخلية وتعمل على ربط الصفيحة القاعدية بالهيكل الخلوي داخل الخلية.
ويتم نسج سلاسل طويلة من البروتيوجلايكان (Proteogylcan) فيما بين الصفيحة القاعدية مع اختلاطها مع سلاسل سكريات عديدة طويلة في الفراغ الموجود في خارج الخلية.
وهناك العديد من الأنواع المختلفة من الكولاجين الموضحة في هذه الصورة، ومنها الكولاجين المكون لشبكة في الصفيحة القاعدية، والكولاجين المكون لليفيات رابطة (E)، بالإضافة إلى أنواع عديدة تتجمع سوياً لتكون ليفية تركيبية كبيرة (قوة التكبير: مليون مرة).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]