الاختلافات الشاسعة التي أحاطت عملية تقييم ما توصل إليه “بياجيه”
1995 مستويات النمو العقلي
الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري
KFAS
بياجيه العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
حول الاختلافات الشاسعة التي أحاطت عملية تقييم ما توصل إليه بياجيه
سوف نجد كذلك كمّاً هائلاً من البحوث والدراسات ، وطالما أننا لسنا بصدد التعرض لما وجه إلى نظرية بياجيه من انتقادات تقليدية ، بعضها خاص بالمنهج ، وبعضها خاص بالمفاهيم ، والبضع الآخر خاص بالجوانب التطبيقية للنظرية ، (غنيم ، 1974 : 288-292)
فإن ما نعرضه هنا إنما يتصل بوجهات نظر جديدة وعميقة ومتعراضة مع ما قاله به بياجيه بالذات حول الطفولة المبكرة وذلك على النحو التالي :
– درج معظم الباحثين في مجال النمو العقلي على المقارنة بين طفل ما قبل المدرسة والطفل بعد دخول المدرسة الابتدائية فصاعداً ، وغالباً ما تنتهي هذه المقارنة بوصف طفل ما قبل المدرسة بأنه يفتفد القدرة على التصنيف ، ومهارات الاتصال ، والمفاهيم العددية ، ومفاهيم الترتيب والتسلسل ، ومهارات التذكر وغيرها ، بحيث إننا لو جمعنا الجوانب السلبية في تفكير طفل ما قبل المدرسة لقلنا عنه إنه طفل جاهل ، يفتقد الحد الادنى من القدرات العقلية .
لكن جيليمان تدعونا إلى مراجعة بعض الادلة التي بدأت تراكم ضد وجهة النظر هذه ، وهي في هذا الصدد تستعرض العديد من البحوث مثل Glucksberg, Krauss & Weisberg, 1966 حول مفهوم التمركز حول الذات .
وقد ايدهم فيما توصلوا إليه كل من Lempers, Flavell & Flavell, 1977; Gelman & Shantz, 1977; Flavell, Shipstead & Karoft, 1980.
وأما عن المفاهيم العددية فهناك الكثيرون ممن يتفقون مع ما توصل إليه بياجيه مثل :
Rosch, Mervis, Gray, Johson & Boyes – Braeml, 1976; Gallistel, 1978; Carey & Gelman, 1978; Keil, 1979.
وقد أنهت جليمان استعراضها للعديد من البحوث التي تبرز وجود قدر لا يستهان به من القدرات العقلية لدى طفل ما قبل المدرسة بالقول : إننا ببساطة لم نمعن النظر ، حقيقة يبدو اننا خترنا أن نتجاهل الحقائق التي كانت تتوهج في وجوهنا.
ولتختتم مقالتها حول الموضوع بتوجيه للباحثين تقول فيه : رسالتي واضحة تماماً ، غننا ينبغي أن ندرس طفل ما قبل المدرسة في ظل ظروفه ، وأن نتوقف عن معاملته كأداة نصف من خلالها غنجازات الطفولة الوسطى أو المتاخرة .
لقد احرزنا بعضاً من التقدم في السنوات الأخيرة ، لكنه ما زالت هناك فرصة لأولئك الذين يستعدون لاقتحام عقل الطفل الصغير". (Gelman, 1979, pp. 900-905).
– إذا كان بياجيه قد كرر في أكثر من كتاب أو مقال أنه لا يتوقع أن يكون الاطفال قادرين على تعلم مفاهيم من الواضح أنها فوق مستوى مرحلتهم النمائية الراهنة وأن قابلية الاطفال للتدريب سوف تزداد كلما اقتربت مرحلتهم النمائية الراهنة من المرحلة التي يفترض أن يظهر فيها المفهوم المطلوب تعلمه تلقائياً ، وأن تعلم الأطفال يختلف اختلافاً جوهرياً كوظيفة للمستوى المعرفي لديهم وأن تعلم الاطفال مفاهيم لم يكتسبوا بعد مستوى النمو التلقائي المطلوب لها ، بعد عملية لا طائل من ورائها بالمرة . (Piaget, 1985; 1967; 1970; 1971; 1974)
فان (Brainerd, 1983) يشير إلى أن هذه التوقعات النظرية قد درسات مراراً باستخدام مفاهيم من مرحلة العمليات المحسوسة (خصوصاً ، مفهوم الاحتفاظ) وكانت النتائج غير مؤكدة كما أن هذه الدراسات قد كشفت عن أن الاطفال الذين تم تصنيفهم كأطفال ما قبل العمليات (أطفال ما قبل المدرسة) يمكنهم تعلم مفاهيم العمليات المحسوسة .
كما كشف برنارد أيضاً أن قابلية الاطفال للتعلم موجودة وبدرجة ملحوظة ، تبعاً لتصنيفهم حسب اسبقية وصولهم إلى مرحلة نمائية معينة . (Brainerd, 1983, pp. 19- 51).
– من الموضوعات التي استثارت الكثير من الحوار والجدل حول كافة أعمال بياجيه وانعكست نتائجها بصفة خاصة على توصيف ما لدى طفل ما قبل المدرسة من قدرات عقلية موضوع المحك الذي يمكن الاعتماد عليه في تقرير ما إذا كان الطفل قد اكتسب مفهوماً معيناً من عدمه .
وفي هذا الصدد يقول برين : "إنه من الواضح انه لو أراد الفرد أن يقرر عمراً عنده تنمو أنماطاً معينة من الاستجابات فإن العمر الوحيد الذي لا يكون تعسفياً هو العمر الأبكر ، الذي تظهر فيه ههذه الاستجابات باستخدام أبسط الإجراءات التجريبية". (Brain, 1959,. P. 16)
وفي مقابل ذلك تقول براون : "قد نجد بعضاً من الاطفال لديهم القدرة على ترتيب مجموعة من الصور حسب تسلسلها الزمني ، وكم يكون فجا وغير مقبول القول بأن هؤلاء الاطفال لديهم مفهوم التسلسل ، لان ما لديهم لا تتوافر فيه ملامح مفهوم العمليات ، ولأنه هش وقابل للكسر بدرجة كبيرة ، ويمكن أن يتعطل بمجرد إدخال اي تغيرات على المهمة التجريبية". (Brown, 1976, P. 77)
وإذا كان برين قد دافع عن محك يعتمد على أول ظهور الكفاءات البدائية للمفهوم ، ودافعت براون عن الاستخدام الراسخ المستقر لهذه الكفاءات فقد تكرر ذلك في أكثر من مفهوم وبين أكثر من مجموعة من الباحثين فكيف إذن نستطيع أن ندرس تطور مفهوم معين؟
وكيف يمكن أن نقرر أن الطفل في مرحلة ما لديه هذه المفهوم ام أنه ليس لديه؟ وهذا هو ما عبر عنه فلافل في حديثه عن الأهمية الخاصة لقضايا التشخيص والقياس في نظرية بياجيه . (Flavell, 1985, P. 271).
– كشفت المراجعة المراجعة الشاملة التي قامت بها جيلمان وبيلارجيون عن أن الادلة التجريبية المتاحة لم تعد تدعم الرض القائل يتحول نوعي أو كيفي من مرحلة ما قبل العمليات إلى مرحلة العمليات المحسوسة.
حيث أثبتت ابحاث عددية أن طفل ما قبل العمليات يتصرف في ظروف معينة على نحو غير متمركز حول ذات ، وأنه يمكن أن يتجاهل المؤثرات الإدراكية المضللة زمانيا أو مكانياً ، وان يحدث تكاملاً بين ما لديه من معلومات عن حالة الشيء وما يطرأ على هذه الحالة من تغييرات.
وبالتالي فإن وصف تفكير هذا الطفل بأنه تفكير غير عملياتي امر غير مؤكد ، خاصة وأن التضمين العام الذي تبرزه هذه المجموعة من البحوث والدراسات هو أن عقلية طفل ما قبل المدرسة من ناحية كيفية أكثر شبهاً وتماثلاُ مما تقول به نظرية بياجيه في هذه الخصوص . (Gelman & Bail-largeon, 1983, P. 166).
– هناك موافقة واسعة الانتشار بين علماء نفس النمو ، على أن المرحلة الثانية من بين مراحل النمو العقلي الأربعة عند بياجيه هي المرحلة التي نعرف عنها الاقل ، لدرجة أن بعض الباحثين يرفضون اعتبارها مرحلة مستقلة وليس أدل على ذلك من أن (Flavell, 1963) يراها مجرد مرحلة تحضيرية لمرحلة العمليات المحسوسة.
والمسألة تبدو اكثر تعقيداً وإثارة للجدل في كتابات بياجيه نفسه حيث يشير إليها على أنها مرحلة مستقلة (Piaget, 1967; Piaget & Inhelder, 1969) ثم يعود ويشير إليها على أنها فترة تحضيرية للمرحلة التالية وذلك في ملخص لبعض أعماله (Piaget, 1973) والامر الأكثر إثارة للجدل هو أن الكمّ الهائل من البحوث التي قام بها بياجيه على أطفال المدى العمري من الثانية إلى السابعة تركز على نهايات هذه الفترة دون بداياتها.
كما تركز على سلبياتها دون إيجابياتها ، إذ تتركنا هذه البحوث بانطباع أن طفل ما قبل العمليات هو ذلك الطفل الذي يمتلك كل المحتوي المعرفي لمرحلة الذكاء الحسحركي (من الميلاد وحتى سنتين تقريباً) والذي يمتلك شيئاً من المحتوى المعرفي لطفل العمليات المحسوسة (من السابعة إلى الحادية عشر) ، مما يدعم الاعتقاد السائد لدى كثير من الباحثين بأن فترة ما قبل العمليات يحسن أن تفسر على أنها مرحلة تحضيرية للعمليات المحسوسة (Brainerd. 1978. P. 950 .
– كثيراً ما يتردد السوال الذي لا فكاك منه بالنسبة لأي بحث حول اية نظرية أو أية مرحلة نمائية وهو : هل يمكن تطبيق افكار بياجيه النظرية في الممارسات التربوية عموماً وفي مرحلة رياض الأطفال بصفة خاصة؟
ولقد تنوعت الإجابات على هذا السؤال للدرجة التي تستوجب غجراء المزيد من البحوث حوله ، إذ هناك من يقولك "لقد أثرت نظرية بياجيه بالفعل على الممارسات التربوية.
وأن هذا التأثير يقوم في جانب قليل منه على ما قاله بياجيه بالفعل عن التربية وفي جانب كثير منه على ما يعتقد المعلمون أنه قال (Bybee & Sund, 1982, P. 2060 عن التربية وهناك من يقول إن السؤال الخاص بتطبيق أفكار بياجيه صعب الإجابة عنه ، وليس أمامنا إلا تقييم الأثر المحتمل لأفكار بياجيه باحسن ما يتوافر لنا من وسائل التقويم في مجالات علم النفس ، والتربية ، والفلسفة معاً ". (Murray, 1979, P. 143) .
وهناك من يقول إن ما اسفرت عنه التقويمات العديدة لبعض من المناهج التجريبية التي أعدت لرياض الأطفال والتي سبق الإشارة إليها.
تشير إلى نجاح نسبي لهذه البرامج وبالتالي إمكانية تطبيق أفكار بياجيه على أطفال هذه المرحلة ، غير أن (Brainerd, 1978, P. 296) يرفض ذلك ويقول : " إن التربويين من ذوي التوجه البياجي قد فشلوا حتى الآن في تقديم نموذج يمكننا من تحويل المناهج التقليدية عبر أفكار ونظرية بياجيه".
وهناك من يوقل بوجود مجالات محددة في نظرية بياجيه يمكن تطبيقها تربوياً ، لكن النظرية لا تستطيع أن تحل كثيراً من المشكلات التي تواجه المعلمين في الطفولة المبكرة (Larsen, 1977; Anderson, 1981; Johnson 7 Wellman, 1980)، مع تنوع الإجابات بهذا الشكل.
فإن بحثنا الحالي يتبنى تضييقاً لهذا السؤال ليصبح " إلى أي درجة يمكن أن تؤثر نظرية بياجيه في الممارسات التربوية لمرحلة رياض الأطفال؟ " بدلاً من التساؤل عن إمكانية التطبيق من عدمه .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]