أمثلة من المحتوى المعرفي توضح وجهة نظر “بياجيه” في نمو وتطور مفاهيم الفراغ لدى الأطفال
1995 مستويات النمو العقلي
الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري
KFAS
بياجيه نمو وتطور مفاهيم الفراغ لدى الأطفال العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
ولمزيد من الوضوح حول وجهة نظر بياجيه في نمو وتطور مفاهيم الفراغ لدى الأطفال ، يمكن عرض بعض أمثلة المحتوى المعرفي لكل من الهندسة الطبولوجية والإسقاطية والإقليدية ، لنرى كيف يحدث التغير النمائي خلال كل منها .
ولعل أفضل ما يصور رأي بياجيه في نمو المفاهيم الطبولوجية يأتي مما عرضه في الجزء الأول في كتابه عن مفاهيم الفراغ ، 1956، ولقد اشتملت المحتويات المعرفية التي اختبرها بياجيه في هذا الجزء على مفاهيم :
الاقتراب ، التباعد ، الغلق والاستمرار ، كما اشتمل أحد هذه الاختبارات على تعرف الأطفال على الاشكال المتداولة في حياتهم اليومية : قلم – مشط – مفتاح ، سلسلة اخرى من اشكال مسطحة مثل : الدائرة والصليبة وكانت هذه الاشياء تقدم من خلف ستارة .
على أن يسمح للطفل بأن يختبر هذه الأشياء بيديه ، وألا يراها ، وكلما انتهى الطفل من فحص احد هذه الأشياء ، يطلب منه أن يستخرج صورته من بين مجموعة من الرسوم المعروضة أمامه .
كما توجه أسئلة للأطفال حول خصائص كل من هذه الأشياء التي لمسوها ، وطلب من بعضهم في بعض الأحيان أن يرسموا ما لمسوه ، وبصفة عامة انتهى بياجيه وانهيلدر ، إلى أن أطفال ما قبل العمليات يستطيعون التمييز بين هذه الأشياء وفق خصائصها الطبولوجية .
في الجزء الثاني من كتابه حول مفهوم الفراغ لدى الأطفال ، عرض بياجيه أمثلة متعددة للمحتوى المعرفي للهندسة الإسقاطية ، وأحد الموضوعات المثيرة للاهتمام في هذا المحتوى ، هو ما أطلق عليه بياجيه مصطلح ، تدوير الأسطح أو بشكل أبسط ، التخيل الإسقاطي.
والمهمة الاساسية المطلوبة في هذا الموضوع هي أن يتصور الطفل شيئاَ ذا ثلاثة أبعاد (وليكن مكعباً) وماذا يمكن أن يحدث عند فتح هذا الشيء ، وأن يتصور شيئاً ذا بعدين ، وماذا يمكن أن يحدث إذا ما تم غلقه ، وبلغة الهندسة الإسقاطية ، تتمثل المهمة في فتح شكل ذي ثلاثة ابعاد ليصبح ذا بعدين وبالعكس .
وقد قدم بياجيه اربعة اشكال ضمن هذا الاختبار : صندوق سجاير ، مكعب بلاستيك ، علبة صابون مغلقة ، لعبة على شكل هرم ، وبعد أن يفحص الطفل الشكل المعروض ، توجه له الأسئلة عما يكون عليه هذا الشكل عند فتحه ، ولضبط عملية القياس وتصحيح إجابات الأطفال ، قدمت لهم مجموعة من الرسوم عقب كل شكل ليختار منها الرسم الصحيح المعبر عن تخيله للشكل بعد فتحه ، كما طلب أيضاً من الطفل أن يرسم ما يتخيله في حالة فتح الشكل ذي الأبعاد الثلاثة أو غلق الشكل ذي البعدين.
وانتهى بياجيه وانهيلدر إلى القول بأن أطفال مرحلة العمليات المحسوسة هم الذين استطاعوا اجتياز هذا النوع من المهام ، أما عن أطفال مرحلة العمليات المحسوسة هم الذين استطاعوا اجتياز هذا النوع من المهام ، أي أنهم لا تتوافر لديهم المفاهيم الإسقاطية كما عبرت عنها مهام بياجيه وانهليدر
تناول بياجيه مفاهيم الهندسة الإقليدية ، من خلال اهتمامه بمشكلته المحورية في الاحتفاظ واتضح ذلك من خلال تصميمه للتجارب الخاصة بالاحتفاظ بالمساحة ، والاحتفاظ بالمسافة ، (Piaget, Inhelder, Szemmika, 1962) ويتمثل إختبار الإحتفاظ بالمسافة في وضع علامتين أ ، ج على خط افقي أو على حافة الطاولة أو ما شابه ذلك.
ثم يتم إدخال نقطة ثالثة ب بينهما ويتم سؤال الطفل على ما إذا كانت المسافة ما زالت ثابتة بحيث أن أج= أ ب ج وما إذا كان يفهم أن المسافتين البينيتين الناتجتين عن إدخال النقطة ب مساويتان للمسافة البينية الأصلية أي أن أ ب + ب ج = أج
ويمكن بالطبع تصوير هذا الاختبار باستخدام شجيرات بلاستيكية أو دمى نطلق عليها أسماء بدلاً من الرموز او أية ألعاب اخرى مناسبة لقياس فهم الطفل للاحتفاظ بالمسافة ، وأما عن إختبار الاحتفاظ بالمساحة فهو يتشابه إلى حد كبير مع إختبار الإحتفاظ بالمسافة.
ويتشكل من استخدام مربعات خضراء مساحة قدم مربع واحد ، ولعبة بقرة بلاستيكية ذات حجم مناسب ، ويتظاهر الفاحص بأن هذا المربع الأخضر اللون هو مساحة واسعة من الحشائش الخضراء التي يمكن أن تتغذى عليها البقرة ، لكنه ما يلبث أن يأتي ببعض الأبنية البلاستيكية.
واضعاً اثنين منها على كل مربع ، بحيث يكون المبنيان متلاصقين على المربع الأول ، يكون المبنيان متباعدين على المربع الثاني . بعد ذلك يسأل الطفل ليحدد ما يعتقده ، عما إذا كانت البقرة سوف تجد نفس الكمية من الحشائش في كل من المساحتين الخضراوين.
لقد أشار بياجيه ورفاقه إلى أن أطفال مرحلة ما قبل العمليات فشلوا في أداء هذا الاختبار ، حيث غلب على إجاباتهم الاعتقاد بأن المبنيين المتلاصقين يوفران مساحة أوفر من الحشائش للبقرة .
ولم يكتف بياجيه بما اتضح له هو ورفاقه من عجز أطفال ما قبل العلميات سواء في الإحتفاظ بالمسافة او الإحتفاظ بالمساحة ، بل إنه عاد لاختبار هؤلاء الأطفال في أحد المحتويات المعرفية للهندسة الإقليدية والذي أطلق عليه مصطلح الأفقية Harizontality واعتمد إختبار هذا المفهوم على تقديم إناء أسطواني شفاف مملوء لما بعد منتصفه بقليل بالماء ، ومغلق من أعلى ومن أسفل ويوضع رأسياً لأعلى فوق طاولة أمام الطفل.
بحيث يكون واضحاً أمام الطفل أن سطح الماء او مستوى الماء في الإناء مواز لسطح الطاولة الموضوع عليها ، والسؤال هنا يدور حول تصور الطفل عمَّ يمكن أن يحدث لمستوى الماء في الإناء إذا تم إمالة هذا افناء قليلاً ناحية اليمين أو ناحية اليسار أو تم تحريكه افقياً على الطاولة.
ويتم بالفعل أداء هذه الحركات أمام الطفل ومع كل حركة يتم توجيه السؤال المحدد لها وما قد يترتب على إجابة الطفل من أسئلة جديدة ، وقد اكد بياجيه وانهيلدر أيضاً عجز اطفال ما قبل العمليات عن فهم ثبات التوازي بين سطح الماء وسطح الطاولة.
بل إن إجاباتهم عبرت عن إعتقادهم بأن سطح الماء في الإناء لا بد وأن يميل فينفس الاتجاه الذي تم تحريك الإناء ناحيته ، كما قدموا إجابات متضاربة بشكل ملحوظ في حالة قلب الإناء رأساً على عقب
وإن كان بياجيه ورفاقه قد توصلوا إلى أن الطفل في مرحلة ما قبل العمليات قد فشل في كافة الإختبارات المتعلقة بمفاهيم الهندسة الإقليدية سواء في ذلك الاحتفاظ بالمساحة أو في مفهوم الأفقية.
وقد سبق ايضاً أن أشاروا إلى فشل هؤلاء الاطفال في مفاهيم الهندسة الإسقاطية وخاصة في مهام التخيل الاسقاطي ، فمعنى ذلك أن الطفل لا يستطيع اكتساب سوى مفاهيم الهندسة ، الطبولوجية ، لكن يبقى السؤال حول أي من المفاهيم الإقلديية أو الإسقاطية يمكن أن يسبق الآخر.
خاصة وأن بياجيه ينظر إلى نموها وكأنهما عملية متوازية في حين يرى آخرون أن المعلومات المتاحة لا تؤكد هذا الزعم (Brainerd, 1978, P. 168).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]